20 سبتمبر 2025

تسجيل

الحكم الذاتي للسويداء بين الوهم الفرنسي والأسدي

19 سبتمبر 2023

يستذكر السوريون جميعاً الوهم الذي سعى المحتل الفرنسي بداية احتلاله لسوريا مع رحيل الحكم العثماني، كيف سعى ذلك المحتل إلى تسويق وهم تقسيم سوريا على أسس طائفية، فكان من بينها دولة للعلويين ودولة للدروز، ولكن سريعاً ما ثبت فشل وعقم واستحالة نجاح المشروع لأسباب ليس أقلها رفض وجوه المجتمع العلوي والدرزي للسيناريو الفرنسي المقترح، ولكن لاستحالة تنفيذ مثل هذه الأوهام في بلد لا تتعدى مساحته 185 ألف كم2، هذا بالإضافة إلى استحالته لأسباب جيوسياسية وديمغرافية وجغرافية. مسألة قيام الدولة تتطلب ظروفًا جغرافية وديمغرافة وإطلالة بحرية، وعلاقة جوارية صديقة، ونحو ذلك، وقد سبق أن تحدث الخبراء أنه لأربعة آلاف عام لم تقم دولة على الساحل السوري، فلا الأرض ولا المساحة الكافية لتزويد السكان بما يحتاجونه من طعام وغذاء ونحوهما كاف لإنعاش هذه الدولة فضلاً عن نشر ألغام ستنفجر لاحقاً في الوسط السوري وغير السوري، وفوق هذا كله، فإن الاقليم لن يسمح بمثل هذه الألغام ونحن نرى استعداداً كردياً للانقسام والمطالبة بحكم ذاتي ونحوه، مما يجعل الكلفة والثمن عاليا على مستوى الاقليم كله، وستتدخل دول إقليمية كبرى مثل إيران وتركيا لتعترضا على مثل هذه الانقسامات التي ستطالها بشكل كبير، وهي التي جرّدت حملات عسكرية وسياسية متكررة في السابق، لتفادي وتحاشي مثل هذه الكوابيس والسيناريوهات المميتة والقاتلة. جاء الرد قوياً من عقلاء الدروز ومن نخبهم لرفض هذا الوهم الذي يسعى النظام وبعض الدوائر الخارجية التي تتربص الشر بسوريا وبثورتها، فجوبه برد قوي من كل القوى الثورية العاقلة، والتي اعتبرت مثل هذه التسريبات حرفاً للثورة، وكأن النظام يريد إرسال رسائله بأن الثورة هي التي مزقت سوريا وشتتها، وأنه على مدى حكمه لعقود كان هو الضامن لوحدتها، وهي مسألة جديرة بالاهتمام والتعاطي معها بذكاء وحنكة السوريين التي أثبتوها، ليس اليوم فحسب وإنما على مدى عقود تاريخية منذ أيام الاحتلال الفرنسي. الأردن الذي يعتبر نفسه الضحية الأولى لمثل هذه السيناريوهات الخطيرة، نظراً لتداخل النسيج الدرزي بينه وبين سوريا، فرْمل علاقاته مع النظام السوري، ويتعامل اليوم بذكاء مع الحالة الدرزية المهددة له على حدوده، لاسيما وأن النظام سعى منذ عقود إلى تقسيم المكون الدرزي بين تابع له، معارض له، ولا أدلّ على ذلك التصفية المبكرة التي قام بها بحق القيادي الدرزي المعروف كمال جنبلاط، وحملات المضايقة المتكررة والمستمرة التي تواصلت بحق نجله وليد جنبلاط. يستذكر كل من تابع ويتابع تشكيل الدول في الفترة الأخيرة مثلما حصل في تجربة آتشه بإندونيسيا، وفي جمهورية جنوب السودان أن لا أحد اليوم يستذكر ويعرف نظام حكمهما واسم رئيسهما أو رئيس وزرائهما فضلاً عن الوزراء في حكومات الدولتين، لسبب بسيط وهو أن العقل الجمعي الإنساني حجز كل أسماء الدول وقادتها، ومن الصعب أن يجد الجديد مكاناً له في ذلك المخزن الجمعي العالمي، ولذا فقد رأينا مدى التهميش والإهمال والنسيان الذي واجهته هذه الدول الناشئة، فمسألة قيام الدول بحاجة إلى قيادات ورموز تاريخية معروفة، وبحاجة إلى أحداث سياسية واقتصادية تغير مجرى التاريخ، حتى تتمكن هكذا دول من تثبيت نفسها على خارطة العالم. بالعودة إلى الوهم الذي يسوقه البعض إلى كيان ذاتي للدروز في السويداء، فإن ذلك انتحار للدروز أنفسهم، الذين وقفوا موقفاً مشرفاً تجاهه، فرفضوه كما رفضه أجدادهم أيام المحتل الفرنسي، وهذا النظام ثبت للمرة بعد الأخرى أنه مستعد أن يفجر سوريا داخلياً، ويفجر معها الاقليم كذلك، من أجل بقائه على السلطة، مهما كان ثمن ذلك وتكاليفه.