16 سبتمبر 2025
تسجيللماذا نُعادي الفرح؟ عندما نفرح ونضحك نقول "الله يكفينا شرّ هالضحكات ويعطينا خيرها"، وعندما تُشارك فرقة عربية في مسابقات عالمية وتفوز بجائزة عالمية نقول: "هيدا اللي شاطرين فيه"، حين تفوز دولة عربية باستضافة بطولة عالمية لأول مرّة في التاريخ، نغمض أعيننا ونشيح بنظرنا عن الكأس، وننظر إلى حفريات وأشغال في شوارع منسية. نرى زوجين سعيدين أو رجلا مفتونا بزوجته، نستعيذ بالله من السِّحر. يومياتنا مليئة بتصورات اجتماعية غريبة تستحقّ البحث في آليات تدمير الذات. نجلدُ أنفسنا إذا فرحنا، ونعتبر أن الفرحة مُستحقة فقط في الآخرة، وأن الدنيا لا بُد أن تكون همّا وغمّا وقلقا وتوترا وخلافات ودموعا. صحيح أن الحياة مزيج من هذا وذاك، ولكننا نتآلف مع الحزن ونحسبُ أن الفرح مسموح فقط في الأعياد الدينية والوطنية. والجديد هو نشر أغلب وسائل الإعلام، مقاطع فيديوهات مأساوية، ويتم تداولها بطريقة رهيبة، منها لمن مات وهو قائم، وآخر لمن مات وهو يُشهد، ولطفل فقد أهله في حادث، وآخر وقع من فوق الطابق السابع. وفيما تضجّ وسائل الإعلام الإخبارية بكلّ هذه المشاهد، يُجلد متابعو "تيك توك" ويُحاكمون لأنهم وصلوا إلى قمّة التفاهة؟ هل سألنا أنفسنا لماذا؟ لماذا يبحث شبابنا وكبارنا وصغارنا عن مصادر ترفيهية "تيك توكية" بهذا الشكل؟ وكمّ من الفكاهة اليوم الموجودة في منازلنا ومكاتبنا، في مدارسنا، وفي طُرق تعليمنا؟ لماذا ترتفع أعداد القلق والهلع والاكتئاب حول العالم رغم كلّ هذه الوسائل الترفيهية؟ ربّما آن الأوان لإعادة تصوّر معنى الفرح. الفرح في قاموسنا مرتبط بروتينٍ باهت، وهو التخرج، والإنجاب، والزواج، وكل من لا يسير على هذا الدرب، يُصبح إنسانًا تعيسًا لأنه لم يتمكّن من مجاراة مجتمعه. فنحن شعوب تربط الفرح بـ"إبهار" المجتمع والناس، لا نفرح لأنفسنا وإنمّا لأننا نريد أن نُثبت للآخرين أننا قادرون على مجاراتهم. العالم يحتاج إلى مزيد من الفرح، ومجتمعاتنا تحتاج إلى وقفة من علماء الاجتماع وعلماء النفس، وعلماء الدين الصادقين، ودعوة شجاعة نقول فيها إنه آن الأوان للتوقف عن الادعاء أنّ مجتمعاتنا سعيدة، والتوقف عن إيهام الفقير أنه يجب أن يكون سعيدًا بكفاف يومه، وإيهام المريض أنه يجب أن يفرح لمرضه، والمُبتلى أن يفرح لبلائه. لا بّد من آليات اجتماعية نُعلّم أنفسنا ومن حولنا ثقافة بناء الفرح، وفي مدارسنا أن الفرحة حقّ إنساني، وأن من يُريد لنا الحزن لا يُحبنا، ومن يبتغي لنا الهمّ لا ينفعنا. فلتفرحوا