27 سبتمبر 2025

تسجيل

المسؤولية الجنائية للوزراء

19 سبتمبر 2022

يعتبر الدستور القطري منصب الوزير بمثابة الجناح المكمل للسلطة التنفيذية في البلاد، إذ إن المادة 62 من الدستور تنص على أن سمو الأمير يتولى السلطة التنفيذية بمساعدة مجلس الوزراء وفق ما يقرره القانون، وضمانا لالتزام الوزراء بالسلطة الواسعة المخولة لهم، وعدم الحياد عن استعمالها الصحيح بإيثارهم مصالحهم الشخصية عن المصلحة العليا للمجتمع فقد أقر الدستور نفسه مبدأ المسؤولية الجنائية في حق من يتقلدون منصب الوزير، وذلك ضمن المادة 128 التي جاء فيها: "على الوزراء أثناء توليهم مناصبهم أن يستهدفوا في سلوكهم مصالح الوطن، وألا يستغلوا مناصبهم الرسمية بأية صورة كانت لفائدتهم، أو لفائدة من تصله بهم علاقة خاصة. ويحدد القانون الأعمال المحظورة على الوزراء والأفعال التي تقع منهم أثناء توليهم مناصبهم وتستوجب مساءلتهم، كما يحدد طريقة هذه المساءلة"، فلا شك أن إساءة استعمال السلطة المخولة بمناسبة هذه المناصب العليا يترتب عليه التجريم والعقاب الناتج عن خرق المهام الموكولة لهؤلاء الوزراء، والمتمثلة في خدمة مصالح المواطنين والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم. تتم مساءلة الوزراء جنائيا طبقا للقانون رقم 21 لسنة 2004 بشأن الوزراء والقوانين المعدلة لبعض مواده، بحيث وضع هذا القانون الأسس التي من أجلها يتوجب إسناد اتهام جنائي للوزراء والإجراءات المتبعة عندئذ، مع تأكيد هذا القانون على أن أي مقتضى لم يرد ضمنه يتم الرجوع بشأنه إلى قواعد قانون الإجراءات الجنائية، ويعد ذلك بمثابة إشارة واضحة إلى ضرورة معاملة الوزراء في حالة ارتكاب أفعال جرمية المعاملة التي يتم مباشرتها بشأن العموم، خصوصا وأن القانون رقم 3 لسنة 2021 المعدل له ألغى فصلا كاملا منه كان ينص على إجراءات خاصة بمحاكمة الوزراء، فأصبحت محاكمتهم عقب ذلك تتم بنفس الإجراءات ونفس مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة التي تمر منها محاكمة الأفراد العاديين. ويجب عند الحديث عن المساءلة الجنائية للوزير التفريق بين الجرائم التي قد يرتكبها بصفته الشخصية وبعيدا عن المنصب العالي الذي يتقلده، وبين الجرائم المرتكبة من قبله أثناء أو بمناسبة القيام بمهامه الوزارية، ففي الحالة الأولى نكون أمام مسؤولية جنائية قائمة لشخص عادي ولا نكون بصدد الحديث عن مسؤولية جنائية لوزير، بعكس الحالة الثانية التي يكون الوزير قد أساء استعمال سلطته وأخل بحقوق المواطنين الذين ينحصر دوره في رعاية مصالحهم، وفي فترة سابقة كانت تختلف طريقة وإجراءات محاسبة الوزراء عند ارتكابهم جرائم بصفتهم الشخصية وعند ارتكابهم جرائم بصفتهم الوزارية، لكن في ظل التعديل الذي طرأ على القانون رقم 21 لسنة 2004 أصبحت المحاكمة على الصنفين من الجرائم تتم وفق الإجراءات نفسها. لم يرد ضمن القوانين جرد أو كشف مفصل بالجرائم التي يرتكبها الوزراء حصريا، بل إن جميع الأفعال المجرمة حسب القوانين الجنائية وخصوصا قانون العقوبات، والتي قد يرتكبها الوزير أثناء القيام بمهامه الوزارية تنهض معها مسؤوليته الجنائية، ويتم محاسبته وفقا لذلك، ومن صور الجرائم التي تثبت معها المسؤولية الجنائية الوزارية جريمة استغلال الوظيفة وإساءة استعمال السلطة، الرشوة، المساس باستقلال الدولة وأراضيها، التخابر ضد الدولة، محاولة قلب نظام الحكم، الاختلاس والإضرار بالمال العام وغيرها من الجرائم التي يمكن ارتكابها من قبل الوزراء أثناء تأدية مهامهم. وإذا كان منصب الوزير يحتل مكانة مرموقة ضمن نظام الحاكم بالبلاد، فإن شرف المنصب يجب أن يكون على نفس القدر من المسؤولية التي يجب الالتزام بها، وإن أي زحزحة عن المهام الموكولة بموجبه يستوجب المتابعة الجنائية.