14 سبتمبر 2025

تسجيل

" مُعجزة " ومجلس التعاون

19 سبتمبر 2017

ما لم تحدث " معجزة " وتتغيّر بعضُ الأنظمة في بعض دول مجلس التعاون - والتغيّرلا يعني "ثورات دراماتيكية" قدر ما يعني حدوث أزمات في بيوت الحكم في المنطقة- فإن مجلس التعاون – حسب وتيرته الحالية - يتجه نحو التفكك، بل والتلاشي.وبرغم الأدبيات " الملونة " التي رافقت مسيرة المجلس، وحشد "الآمال" العريضة خلال 37 عاماً من عمر المجلس، إلا أن شكلَ المجلس، كمجلس للحُكام، قد أضفى عليه "رهبنة" أو "كهنوتاً" لم تكن الشعوب قادرة على الاقتراب من هذا الكيان أو مناقشة طروحاته، التي ركَّزت في معظمها على الجوانب الأمنية والعسكرية.نقول : ما لم تحدث " معجزة "، فإن مصير المجلس يسير نحو التفكك مع حلول عام 2020 أو قبل ذلك! فالمجلس " داعبَ " وجدانَ شعوب الخليج مظاهرياً واستعراضياً، دون أن يعالج المعضلات التي كانت تستعِرُ تحت عباءات المجاملة وغياب الشفافية.قد تتغيّر الأنظمة في دولتين من دول المجلس، حسب المؤشرات الحالية، وهما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ولربما تترشح دول أخرى لتنَضم إلى هذا التغيّر، بمساعدة قوى إقليمية تنتظر تلك الفرصة!؟ وهنا يتم " التصالح" بين تلك الدول المتغيرة والدول الأخرى الأعضاء في المجلس وهي (سلطنة عمان، دولة قطر، دولة الكويت)، وتبدأ مرحلة جديدة، بإطار جديد، مختلف عما كان عليه الوضع عام 1981، عام إنشاء مجلس التعاون. ويتم وضع نظام أساسي جديد يأخذ في الاعتبار تحديات المرحلة القادمة، ويضع الحدود والالتزامات التي تضمن سيادات الدول، ويمنع حدوث " مفارقات" لم يعهدها تاريخ العلاقات بين دول الخليج العربية، مثل حصار الدول الأربع لدولة قطر.هذا، إذا حصلت " معجزة "، أما إذا لم تحصل تلك "المعجزة"، واستمر واقعُ الحال السياسي كما هو اليوم، فإن المجلس آيلٌ للسقوط، وسيصبح ذكرى أو (نوستالجيا) سياسية، كما هو الحال مع الوحدة المصرية السورية (1958-1961)، ومجلس التعاون العربي (16/2/1989) بين كل من ( مصر، العراق، الأردن، اليمن الشمالي)، واتحاد المغرب العربي (17/8/1989) بين كل من ( المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا)، وبذلك تسقط كل رهانات السياسيين والإعلاميين على أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الأكثر ثباتاً وقوة في المنطقة العربية!؟ بعدها سوف تُزال ساريات علم مجلس التعاون الأخضر من مطارات ومراكز الحدود بين الدول، وتُغلقُ الأمانة العامة أبوابَها بالرياض، وتوفر الدول الأعضاء مبالغ أنصبتها في ميزانية المجلس، ويتم تسريح موظفي الأمانة العامة، ولربما تحولت الأمانة العامة إلى إدارة محلية سعودية، كما هو الحال مع جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج، مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك ووكالة أنباء الخليج!؟ حيث تولت كل دولة فيها إحدى تلك المؤسسات الصرف عليها، دونما التزام محدد من بقية الدول.لا نقول هذا الكلام من حيث وطأة اليأس على شعوب الخليج من عدم تحقق طموحاتهم طيلة 37 عاماً، بل من قراءة بعض الأوراق السياسية التي تنتشر في سماء المنطقة، التي لم يستطع مجلس التعاون التعامل معها بإيجابية، ومنها على سبيل المثال: الخلاف الحدودي بين دولة قطر ودولة البحرين حول جزر حوار! ثم لجوء الدولتين إلى محكمة العدل الدولية حيث تم حل الخلاف في (لاهاي) وليس الرياض!؟ ومنها أيضاً حادثة الاعتداء السعودي المسلح على مركز (الخفوس) عام 1992 حيث استطاع الطرفان لملمة الموضوع والحد من اتساعة عبر اتفاق مكتوب. وكذلك موضوع (البريمي) الذي لولا حكمة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لكان أوجدَ بؤرة للصدام المسلح لا يمكن التكهن بنتائجها، ولو أن من نتائج الاتفاقية التي حلَّت المشكلة بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة استيلاء السعودية على جبل العديد وما خلفه من الأراضي ما تسبب في إغلاق منفذ الحدود القطري مع دولة الإمارات العربية المتحدة، واقتصار الحدود البرية فقط على السعودية. ومنها أيضاً قضايا الحدود السعودية/ الكويتية فيما بعد تحرير دولة الكويت، وهو موضوع قد لا يكون من العقل إثارته الآن، ولكن مع الأيام ، لا نستبعد أن يُطرح في مجلس الأمة!؟وهنالك قضايا أخرى مثل : تبرُّم بعض دول المجلس من قناة (الجزيرة)، والتدخل في القرارات السيادية للدول الأخرى، وعدم تحقق العملة الخليجية الموحدة، وعدم تحقق الجيش الخليجي الموحد ! أستوقف هنا فقط للتساؤل: ماذا كان سيكون عليه الجيش الخليجي الموحد لو كان موجوداً هذه الأيام، حيث تحاصر 3 دول خليجية أعضاء في مجلس التعاون دولة قطر!؟ وحسب الترتيبات التي أُعلنت حينها، فإن مقر وقيادة ذاك الجيش سيكون في المملكة العربية السعودية، وحتماً ستكون فيه تشكيلات قطرية، هل ستُرسل كتائبُ من هذا الجيش إلى دولة قطر؟ كما حصل في البحرين في مارس 2011 ؟ وهل من المنطقي أن يتواجه القطري مع أخيه القطري القادم ضمن فريق الجيش الخليجي؟ نقول: قد تحدث " معجزة" في ظل الأحداث التي نسمع عنها يومياً، وهذا سيساهم في حل أزمة حصار قطر من قبل الدول الأربع! وظهور جيل جديد من القادة يرمون أوراق مجلس التعاون الصفراء وراء ظهورهم، ويؤسسون كياناً واقعياً بإرادة شعبية لها صوتها في ذاك الكيان! ولسوف يتخلص ذاك الكيان من عادات " حب الخشوم" وإطاعة الدول الكبرى أو الحاكم الأكبر! أما إذا تم استنساخ مجلس التعاون من جديد، فالمنطق يُحتم أن تتفرغ كل دولة لبناء تنميتها الداخلية، والالتفاف لما يخدم شعبها، ولا بأس أن نعود للسفر بجواز السفر ونلغي البطاقة التي لم تقدم ولم تؤخر، ونرفع لافتات (مواطنو مجلس التعاون الخليجي) من المطارات. وقد يُصار إلى تفاهمات إقليمية بين بعض دول المجلس من الدول التي تتجانس وتتكامل سياسياً واقتصادياً وتنموياً، وليست الدول الست، على اعتبار ما حدث في أزمة حصار دولة قطر ونتائجها. ولعل أقرب هذه النماذج وجود كيان مشترك بين دولة الكويت وسلطنة عمان ودولة قطر، بحيث يضطلع هذا الكيان بالتكامل الاقتصادي والبشري، وتبادل الخبرات، ولا بأس من أن يُنسِّق هذا الكيان مناورات وتدريبات عسكرية بين الدول الثلاث.وتبقى قضية أساسية في هذا الموضوع " المُتصَوَّر" وهي العلاقة المستقبلية بين الدول الثلاث وإيران!؟ ومدى قدرة الأطراف الأخرى في بقية دول مجلس التعاون على إحداث " استقطابات" Polarizations لِجَرّ إيران للمعسكر الآخر، وهنا تبدأ عملية "خلط الأوراق" من جديد، ولربما دخلت المنطقة دوامةً جديدة من الخلافات، لا يمكن التكهن بنتائجها.