14 سبتمبر 2025
تسجيلطالعتنا الصحافة المحلية بتقرير عن افتتاح " معهد بوتلميت للقرآن وعلومه " في جمهورية موريتانيا الإسلامية بحضور وفد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الجهة الممولة للمشروع ومؤسسة " راف " الخيرية بصفتها المشرف على ذلك المشروع. (1) المعروف أن موريتانيا نالت استقلالها في مطلع ستينيات القرن الماضي وأصبحت عضوا في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة عام الاستقلال، وتعرف "بجمهورية موريتانيا الإسلامية" عاصمتها نواكشوط، وكلمة موريتانيا أطلقها الغربيون الذين استعمروا هذه المنطقة وهي تعني باللاتينية القديمة "بلاد البيظان" وهي مشتقة من "ذوي البشرة البيضاء" وهم سكان بلاد الصحراء الغربية الممتدة إلى شمال موريتانيا، وكلمة "تانيا" تعني (بلاد) فكانت موريتانيا التي اختار اسمها الفرنسيون عند الاستقلال وأهلها مسلمون بدرجة 100% يتبعون المذهب المالكي. أما اسم العاصمة نواكشوط فهي تعني " نوق الشوط" ويردّ البعض أصل هذه التسمية إلى أن البحارة المارين بالقرب من سواحل موريتانيا كانوا يشاهدون الإبل "النوق" ترعى بالقرب من شاطئ البحر بسبب انتشار المراعي هناك وبذلك السبب كانت التسمية "نوق الشوط" تحول الاسم إلى نواكشوط "، أما الفرنسيون فيردون اسم المكان " نواكشوط " إلى أنها مشتقة من كلمة بربرية وهي تعني " المكان " الذي تكثر فيه الأعاصير الهوائية والحق أنه لا وجود للبربر في موريتانيا الموزعة بين "الحسّان العرب" في الشمال والزنوج في الجنوب. (2) أعود إلى مشروع "معهد القرآن وعلومه" والذي سيضم أكثر من 300 طالب منهم 60 طالبا يقيمون في المعهد مكفولة إعاشتهم وسكنهم لأنهم يأتون من بعيد وعلى ذلك تم إيواؤهم. والحق أنه ليس لدي أي اعتراض على فتح معاهد لتعليم القرآن الكريم وعلومه في أماكن تحتاج إلى ذلك، لكن أما وقد فتحت دولة قطر مجمعا علميا في مدينة "بوتلميت" يضم مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية إلى جانب بناء مستشفى يعرف اليوم باسم "مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني" الأمير السابق لدولة قطر، فلماذا لا يدعم المركز القطري آنف الذكر إلى جانب العلوم الحديثة بمادة تعليم القرآن الكريم ضمن المنهج المقرر للدراسة في المراحل المختلفة، وضم ميزانية المشروع أي " معهد القرآن وعلومه " إلى ميزانية المجمع العلمي القطري وتكثيف المواد العلمية والدينية. أليس من الأولى أن يفتح معهد فني مهني يعلم الطلاب في تلك المنطقة حرف "مثل النجارة والحدادة والكهربا وصناعة الألبان بوصف المنطقة تنتشر فيها الإبل بأعداد كبيرة الذي يمكن تأسيس مصنع للألبان لتشغيل الناس، وتعليم لغات ليتمكنوا من منافسة فريق أو أنصار " الفرانكفونية في المنطقة ". سواحل موريتانيا مشهورة بصيد الأسماك وتأتي شركات يابانية وأوروبية للصيد في هذه المياه أليس من الأجدر إقامة مصنع حديث لحفظ الأسماك وتعليبها وتزويد سكان هذه المدينة بأدوات الصيد الخفيفة والثقيلة فلماذا لا نساعدهم على تنمية هذه الصناعة، صناعة الصيد، على مستوى واسع ليجد الناس فرص عمل يعيلون بها أسرهم ويقطعون دابر الفقر ويمنعون أي دولة من صيد الأسماك في مياههم الإقليمية الغنية بالأسماك كسائر الدول . (3) لقد أحسنت دولة قطر والمؤسسات الخيرية القطرية في اختيار هذه المدينة لتكون مركز نشاطهم الخيري لأن "بوتلميت" تعتبر من أهم مدن الجنوب الموريتاني تقع إلى الشرق من البلاد وعلى بعد 150 كيلومترا تقريبا من العاصمة. هذه المدينة لعبت دورا هاما في تاريخ موريتانيا سياسيا وثقافيا وتوحيدا للبلاد كان أول رئيس لجمهورية موريتانيا الإسلامية بعد الاستقلال عام 1960 هو الختار ولد داداه من أبناء "بو تلميت " وبقي حتى أزيح عن منصبه بانقلاب عسكري عام 1978 ومن الجدير بالذكر أنه تخرج في المدرسة التي أسستها فرنسا في هذه المدينة فهل تحظى قطر بأن يكون معظم كوادر جمهورية موريتانيا الإداري والسياسي والفني من خريجي المجمع العلمي الذي أسسته دولة قطر أو من الطلاب الموريتانيين الذين يتلقون تعليمهم في جامعة قطر. إنهم سيكونون رصيدا لنا في مستقبل الأيام في معترك السياسة الدولية وهكذا تصنع الأمم رجالها خارج حدودها. (4) يعود تاريخ تأسيس هذه المدينة على يد الشيخ "سيديا الكبير بن المختار ولد الهيبة " عام 1828 في ظروف تميزت بالصراع السياسي بين قوى إمارات الجنوب والوسط الموريتاني أي بين إمارتي " الترارزة والبراكنة " وأصبحت هذه المدينة في زمن الاستعمار الفرنسي أهم المراكز الإدارية والسياسية. ولأهميتها أسست حكومة الاحتلال الفرنسي قبل الرحيل بالتعاون مع أسرة الشيخ سيديا معهدا فرنسيا في مدينة " بوتلميت " دشنه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول عام 1957 أثناء زيارته لموريتانيا، وأصبح هذا المعهد أهم معهد علمي في الدولة استطاع أن يستقطب الكثير من طلاب العلم وراح برنامجه العلمي يمزج بين المناهج التقليدية والحديثة كما أسسوا أول مدرسة في البلاد عام 1914 تخرج منها كما ذكرت آنفا أول رئيس لجمهورية موريتانيا بعد الاستقلال المختار ولد داداه. (5) ذكرت في مقالات سابقة كيف عملت المدارس الأجنبية التي أسست في بعض دولنا العربية أو أماكن أخرى من العالم وذكر الجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة وكان لابد من ذكر بعض الفوائد التي جنتها الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الخارجية على أيدي بعض خريجي هاتين الجامعتين، كانتا في مرحلة التأسيس مدارس إرساليات مسيحية دينية ثم تحولت إلى جامعات بها كل التخصصات الأمر الذي شُغلت معظم الدوائر الحكومية في معظم دول الشرق العربي بخريجي تلك الجامعات وخدم بعضهم السياسة الخارجية الأمريكية بطريقة أو أخرى. ولست في حاجة إلى ضرب أمثلة عن هؤلاء الخريجين الأمر ذاته في المدارس والجامعات التي أسسها الفرنسيون في شمال إفريقيا أو إفريقيا وما تفعله وفعلته تلك المدارس والجامعات إنها خلقت جيلا معاديا للعروبة وما يعرف اليوم " بأتباع المدرسة الفرانكفونية " آخر القول: تعالوا يا أهل الخير في قطر إلى توحيد الجهود وابنوا صروحا علمية تتحدى عاديات الزمان وتخدم بلادنا وتوجهاتنا وتوسع آفاق عمل لشبابنا في مستقبل الأيام.