14 سبتمبر 2025

تسجيل

إعادة تأسيس الحالة العربية

19 سبتمبر 2013

بم يمكن تسمية أو وصف الحالة العربية الراهنة. لقد عاشت بلاد أمتنا حقبة القومية،خلال التجارب الناصرية والبعثية وما شابه من أشكال الحكم وتجارب الوحدة ومواجهة الاستعمار خلال حالات الاستقلال والتحرير. ومن بعد جرت تغييرات كثيرة في أشكال الحكم وتوجهاتها، جرى الحديث عنها بوصفها حالات انقلاب أو نكوس عن التجربة والفكرة القومية،دون أن يقدم لها أي توصيف محدد لها إلا بالإشارات السلبية عن ما كان إيجابيا في السابق. الآن كيف نوصف المرحلة الراهنة،أو في أي طريق تجري إعادة تأسيس الحالة العربية.القول بالربيع العربي ليس إلا حالة تستهدف الخلاص من ديكتاتوريات ونظم حكم فاشلة مستبدة،لكن مستقبل وأهداف فعاليات هذا الربيع ذاتها تحتاج إلى فهم وجوهر لم يطرق بعد،يتعلق بالإطار العام لتوجهات التأسيس في المرحلة الجديدة،إذ لا يكفي الحديث السياسي الجاري حول الديمقراطية وتحرير إرادة الشعوب ونظم الحكم لوصف التوجهات العامة والمحتوى والمضمون لحركة المجتمعات والدول.وإذا أخذنا الحالة المصرية والليبية والتونسية سنجد أن الصراعات الجارية رغم عنفوانها،لا تجري فقط حول شكل الحكم والديمقراطية بل حول المضمون العام لحركة المجتمع والدولة ما بعد الديمقراطية، وإن طغت الديمقراطية الآن على المشهد والحراك والصراع،فالأصل أن فهم أبعاد الخلاف السياسي لا يتم إلا بالرجوع إلى الأصول الفكرية لكل صراع. والقصد أن دول الربيع،تشهد حالة مستعرة من الصراعات المتفاوتة في درجات العنف والتوتر السياسي والشعبي والجماهيري،تشتبك فيها قوى وتيارات وأحزاب ومؤسسات دولة،ويطغى عليها وعلى ملامحها الأفق السياسي والتعبوي والجماهيري لأجل السيطرة على السلطة السياسية وإدارة البلاد ومواردها وقرارها السياسي. وفي هذا الصراع الضاري يبدو الأساس المعلن هو أن الجميع مشتبك في محاولة وحالة تتعلق بعملية تأسيس شكل الحكم الجديد في كل بلد من بلدان الربيع ما بعد إطاحة الرموز القديمة للحكم القديم بفعل ثورات الربيع. غير أن جوهر الصراع ودوافعه-وشدته- لا تتعلق، في واقع الحال،بشكل الحكم،من ديمقراطية وحرية ونظم رئاسية أو برلمانية فقط،بل للصراع محتوى ومضمون أبعد من ذلك.الحالة في مصر شديدة الوضوح والدلالات ولعلها الحالة الأكثر تبلورا ووضوحا وصراحة.فهناك أن الخلاف جرى حول الدستور المصري الجديد،وبشكل خاص حول إسلامية المجتمع وارتباط الدولة وتشريعاتها وسلوكها بتلك الهوية،وها هي لجنة وضع الدستور الجديد،تضع نصب عينيها تغيير ما كان أنجز في هذا الجانب بالذات،إذ هناك من يرى ضرورة أن يعبر الدستور عن علمانية مصر –مصر علمانية بالفطرة -ومثله يعبر بفجاجة عن الصراع وجوهره وطبيعته،بينما هناك من يحاول أن يحقق ذات الهدف دون سفور ومكاشفة وصدام عبر قول مثل،ومال الدستور وكل هذا الخلاف والصراع الإيديولوجي والديني،الدستور ليس إلا موجهات ومبادئ عامة لا علاقة لها بفكرة الهوية.وهناك أن الصراع الجاري في مصر يستهدف فيه الإسلاميين بشكل واضح ومحدد إلى درجة استخدام العنف المسلح ضدهم وببالغ القسوة. القصد هنا ليس الخلاف حول الإسلام والدين والتدين، بل القصد أن الخلاف يجري بالأساس بين تيارات فكرية أو هو يجري بسبب وجود توجهات فكرية متضادة لكل منها رؤية حول ما يجري من إعادة التأسيس الجارية ما بعد الربيع العربي.الخلاف والصراع لا يجري فقط حول الديمقراطية أو شكل الحكم،وليس خلافا حول المصالح فقط أيضا،بل هو خلاف -في الجوهر -حول ما ستكون عليه توجهات المجتمع والدولة وعائد التنمية وتوجهات الاقتصاد..الخ. الجاري أن هناك خلافا مستعرا حول تحقيق الديمقراطية والحرية،لتحرير إرادة الشعوب لتختار هي موجهات إعادة التأسيس الجديدة.