07 أكتوبر 2025

تسجيل

هل ثمة صفقة وراء هذا التصريح الإيراني؟!

19 سبتمبر 2013

الوجود العسكري الإيراني في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية من خلال الحرس الثوري وغيره، كان واضحا لكل المتابعين للأزمة السورية، سواء أكان بالسلاح أو العتاد أو الخبراء أو المدربين أو الجنود، أو التخطيط الاستراتيجي والعمل الاستخباري، دون أن يحتاج ذلك إلى دليل أو برهان. وفي حكم المؤكد أنه لولا دعم نظام طهران للنظام السوري ـ إلى جانب النظام الروسي ـ لكان حكم الأسد قد سقط منذ أمد بعيد، ففضلا عن توفيرهما احتياجات الحرب العسكرية وما تستلزمه من تمويل، فإنهما وقفا معه جنبا إلى جنب، كيلا يتسرب إليه مجرد التفكير بالانسحاب والرحيل أمام مدّ ثورة شعبه ضده، كما فعل زعماء أنظمة دول أخرى، سبق أن أزهر ربيعها العربي، لأن ذلك معناه توجيه ضربة كبيرة لدورهم ومشاريعهم وطموحاتهم الإقليمية، وخسارة لمصالحهم الدولية، ومقايضاتهم التي يؤمّلونها مع الغرب باستخدام الورقة السورية. المستغرب فقط هو الاعتراف الإيراني الذي جاء بالفم المليان، كما يقال، بعد شهور من النفي والإنكار، مع ما يرتبط بذلك من دلالات وانعكاسات مستقبلية، وبخاصة في هذا التوقيت. لقد صدّع المسؤولون السوريون وداعموهم من المسؤولين الإيرانيين والروس وأبواقهم في دمشق وطهران وبغداد وبيروت وموسكو رؤوسنا بدعم السلاح المزعوم الذي يتلقاه ثوار سوريا وجيشها الحر من دول الجوار ومن الغرب، وبتدخل هذه القوى في الشأن السوري، واتضح كذب ادعاءاتهم، من خلال الواقع وتصريحات الإيرانيين الآن، فمن يتلقى الدعم العسكري والمالي والبشري هو النظام وكتائبه المسلحة، ومن يتدخل جهارا نهارا بسوريا إيران وروسيا وبقوة، بينما لم يصل للثوار إلى النزر اليسير، وليس بينه أسلحة نوعية وبخاصة المضادات الجوية، وإلا لكانت قد وضعت حداً لعربدة سلاح طائرات وراجماته، فضلا عن تصريحات المسؤولين الأمريكيين القاطعة بعدم رغبتهم بتزويد المعارضة بالسلاح، وقبلها رفضهم مبدأ التدخل العسكري في هذه المنطقة كما جرى في ليبيا. أكثر من قراءة يمكن استخلاصها من التصريح الإيراني، وبخاصة في هذا التوقيت: ـ جرأة تصل حد الوقاحة وسببها أن طهران أيقنت بعد أكثر من عام ونصف العام أن الجميع لا ينوي تقديم أي عون فعلي للثورة السورية، بما في ذلك الموقفان الأمريكي والأوروبي الذي سبق التطرق إليهما، وموقف الدول العربية والإسلامية المؤيدة لثورة الشعب السوري، التي تكتفي بالتصريحات والوعود فقط، ولا تقدم شيئا عمليا إلا النادر القليل، وهذا القليل النادر في جلّه ينصب على استقبال اللاجئين وتأمين الحاجات الإغاثية والإنسانية. ـ إن هناك نية لتدفق المزيد من أعداد من الحرس الجمهوري الإيراني، ـ وربما مجاميع من المليشيات الحليفة لها في العراق ولبنان ـ للقتال بشكل شبه مكشوف إلى جانب كتائب بشار المنهكة، بحيث لا يمكن تغطية عديدها بغربال، بعد أن اتضح للنظام الإيراني أن وضع نظام بشار العسكري على الأرض صار على شفا جرف في الشهور الأخيرة، وبالتالي تهيئة القوى المتابعة للشأن السوري لذلك، بعد أن أصبح أمرا لا مناص منه، وتهوين شأنه كالعادة، تحت مبرر أنهم خبراء ومستشارون ومدربون. ـ التصريح بهذه الورقة لتخويف الأنظمة العربية، وبخاصة الخليجية منها، لثنيها عن أي تفكير جدي مستقبلي بدعم المعارضة، وهم بذلك يريدون إيصال رسالة إليها بأن هذا الدعم سيكون بمثابة مواجهة مباشرة مع قواتهم. ـ ابتزاز للأمريكان والأوروبيين في اللحظات الأخيرة لمقايضة الورقة السورية ببعض المكاسب المتصلة بسلاحهم النووي، والاعتراف بدورهم الإقليمي في المنطقة. ـ احتمالات صفقة قد تم إنجازها بين طهران من جهة وواشنطن والغرب من جهة أخرى حول التعامل مع الأزمة السورية، حتى لو كان الغرض من ذلك إطالة أمدها، أو توفير غطاء لتدمير المزيد من البنية التحتية لسوريا، وهو أمر يحقق مصلحة مزدوجة للغرب والكيان الصهيوني بآن واحد، فالكيان الصهيوني يريد دولة مدمرة بجواره تنشغل بنفسها، وتحتاج لعقد أو أكثر لتعيد تشييد بنيتها التحتية، وتكون رهينة الديون وفريسة المساعدات الدولية ليُمكِنها الوقوف على رجليها، والغرب يريد تواصل تبعية الأنظمة الحاكمة العربية له، والسعي لعدم وصول قوى من الحركات الإسلامية لسدة الحكم، على نحو ما حصل في تونس ومصر وليبيا، ودور طهران سيكون الوقوف إلى جانب الظالم ودعمه لتحقيق جزء كبير من هذه المعادلة. ولعل هذا أخطر احتمال، ولنتذكر هنا أن للنظام الإيراني سوابق مهمة في التعاون مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن، في احتلال العراق وفي إسقاط نظام طالبان بأفغانستان. ولا غرابة أن تعقد إيران مثل هذه الصفقة التي تضمن فيها للغرب بعضا مما يصبو إليه، وتضمن لنفسها مزيدا من أحلامها التوسعية في المنطقة. وبالتالي فإن الإعلان تمَّ كنوع من الإشهار العلني بعد القيام بكافة لترتيبات المسبقة اللازمة له. تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في محتواه وتوقيته ليس عفو الخاطر، ولم يأت في سياق سؤال صحفي عابر، كما حول محللون إيرانيون تصويره، بل هو مقصود لذاته، وسيكون له ما بعده، خصوصا بعد أن أوشك اليم على ابتلاع نظام الأسد وإلى الأبد.