15 سبتمبر 2025

تسجيل

أسواق المال العربية وسياسات التمويل في عصر متقلب

19 سبتمبر 2012

هشاشة النظام المالي العالمي تفرض على واضعي السياسات الاقتصادية إعادة النظر في الأنظمة المعمول بها في الأسواق العربية، لكونها أولى المتأثرين بتذبذب البورصات، وتأرجح هذه الأسواق بين ثقة وخوف المستثمرين أو إحجامهم عن خوض المنافسة. يأمل مصرفيون تفعيل توصيات مؤتمر المال المنعقد حالياً بالدوحة في إيجاد أدوات تعامل مالية ترتكز على تنويع مصادر الدخل كوسيلة لتحقيق الاستقرار المالي، وبناء بنية تحتية للتمويل الآمن الذي يجنب الشركات التذبذب في الأسواق، واستحداث طرق لدخول الأسواق النامية وبناء مشاريع قادرة على الارتباط في شراكات عالمية. فأسواق المال تأثرت بتداعيات الديون الأوروبية وتراجعت مؤشراتها ولكن الحكومات عملت جاهدة من خلال إجراءات تحفيزية ولوجستية على إنقاذ بنوكها ومصارفها من السقوط في فخ الانهيار. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد كان الربيع العربي سبباً رئيسياً في تراجع المؤشرات، وبروز التفاوت في أداء البورصات، مما حدا بخبراء السياسة المالية إلى المطالبة بإعادة النظر في التشريعات التعاملية لأسواق رأس المال. فقد عانت الأسواق العربية في 2011 من شح السيولة المالية بسبب الربيع العربي الذي أدى إلى خلل في نتائج الأنشطة الاقتصادية، حيث بلغ إجمالي أصول الصناديق المستثمرة في الأسهم العربية أقل من "2%" من قيمتها السوقية، وبلغت نتائج أعمال الشركات العربية في 2011 باستثناء دول الربيع العربي ما بين "64 ـ 38" مليار دولار مقابل "35" مليار دولار في 2010، فيما لم تحقق بورصات دول الربيع العربي أيّ نتائج ملموسة. البيانات الحالية تشير إلى نمو أعداد الصناديق الاستثمارية، فقد بلغ عدد الصناديق العاملة في الأسواق العربية "671" صندوقاً في 2011 منها "67" صندوقاً تستثمر في الأسواق الخليجية و"27" صندوقاً في الأسواق العربية، وإزاء هذا الارتفاع لم تطور الأدوات المالية الحالية للبنوك والمصارف طرق التفاعل معها وبقيت في موقف المحجم عن الدخول في صفقات بسبب اهتزاز الثقة في السوق المالي عموماً. وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط تدير "600" صندوق استثماري بقيمة "64" مليار دولار و"219" مليار دولار حجم الاستثمارات الصناعية الخليجية فإنه يحتم على الأسواق المالية السعي إلى إعادة النظر في السياسات المالية القائمة، فالسوق العربي بحاجة إلى أخذ العبرة من الانهيارات المتتالية من 2007 وحتى يومنا هذا، وضرورة دراسة إدراج شركات جديدة في البورصات، وتهيئة الشركات الكبرى التي لم تدرج والشركات العائلية لدخول المنافسة، مما سيوسع من الكيانات المالية ويزيد من أعداد المستثمرين حتى لا تقتصر الأسواق على شركات بعينها. فالشركات العربية المدرجة حالياً في البورصات لا تتجاوز "1500" شركة في حين أنّ بورصتي نيويورك ولندن تضمان آلاف الشركات، وإزاء هذا الحجم يتطلب من الأسواق العربية دراسة ضمّ شركات أخرى لتستفيد من التوجه الاستثماري نحوها. يشير تقرير اتحاد هيئات الأوراق المالية العربية إلى أنّ الربيع العربي أثر على الأسواق بشكل متفاوت حيث سجلت البورصات تراجعاً وانخفاضاً أو إغلاقاً، ولعل انحسار المستثمرين الأجانب وتراجع نسب الدخول في صفقات مالية جديدة وسحب أموالهم من مداولات الأسهم ظاهرة تؤرق راسمي السياسات. ولعل الوضع المالي للأسواق الخليجية هو الأفضل حالاً وهذا مرجعه إلى سياسات التحفيز الحكومية والتدابير التي اتخذتها الحكومات لدعم مؤسساتها النقدية سعياً لإنقاذها من هوة الديون. التدابير القطرية التي اتخذتها لمواجهة أزمة الديون أسهمت في عودة ثقة المستثمرين في السوق، وإجراءات مصرف قطر المركزي في تطبيق معايير الرقابة الدولية زادت من عمليات انتعاش التعاملات المالية، مما أدى إلى دخول صفقات للتداول، وتؤكد المؤشرات المالية للقطاع المصرفي في 2011 متانة الوضع الراهن للبنوك. كما نجحت رؤية قطر في اقتناص استثمارات ذكية في مختلف أنحاء العالم، والتي ركزت على القطاعات العقارية والسياحية والخدمية والتقنية لبناء مداخيل ثابتة بعيدة المدى تكون رديفاً للدخل المحلي، حيث تعد الاستثمارات مساراً إيجابياً لتنمية الأموال على المدى البعيد، وأنّ تنويع الدخول هو مصدر حيوي لتحقيق عوائد ضخمة، إضافة إلى الفوائض المالية من الموازنات السنوية التي تعزز الدخول في شراكات عملاقة. على المستوى الخليجي فإنّ بناء أنظمة مالية أكثر تكيفاً مع الوضع الاقتصادي الراهن بات مطلباً ملحاً، خصوصاً وأنها تمتلك احتياطيات ضخمة من السيولة يشكل وفرة مالية استغلتها الحكومات الخليجية في المشاريع العملاقة للنقل والاتصالات والبنية التحتية والخدمات والبيئة. وعملت الاحتياطيات المالية ونمو القطاع المالي لدول مجلس التعاون الخليجي على تحريك البورصات من خلال ارتفاع نسب السيولة. على المستوى الدولي فقد لخص تقرير الأونكتاد2012 نشوء الاضطرابات المالية في 2007 إلى الضغوط الشديدة التي تعاني منها الأنظمة المالية والتي تفاقمت مع أزمة القروض العقارية في أمريكا 2008، وأدت إلى تجميد القروض وانهيار الأسهم ولجوء المؤسسات المالية إلى الحكومات لدعمها. وتحولت تلك الضغوط إلى نظم الرعاية الاجتماعية والميزانيات الحكومية التي تزامنت مع زيادات غير مسبوقة في التفاوت بين الدخول ونقص تمويل الخدمات العامة وارتفاع مستوى ديون الأسر المعيشية، ففي عام 2005 كانت قيمة الأصول العالمية تجاوزت الـ"140" تريليون دولار أي ثلاثة أمثال حجم الناتج العالمي ولم تستطع معدلات النمو أن تنهض بالديون ولكنها أدت إلى المزيد من الاستدانة حتى تفاقمت القروض، ثم وجدت نفسها مضطرة لدعم أسعار الأصول إلى أن فقدت المصارف المركزية سيطرتها على السيولة وأثرت على أسعار الفائدة. وأؤيد ما رمى إليه التقرير أنّ بيئة السياسات المواتية للتمويل هي المحرك الرئيسي للتحولات الاقتصادية الحديثة.