11 سبتمبر 2025

تسجيل

«حلاوة روح»

19 أغسطس 2023

أنت لم تعد ذاك الذي كنت، ولكنك تتمادى في تحدٍّ عجيب ضد عمرك الحقيقي! أنت تلاحظ تجاعيد الزمن في وجوه كل من حولك، وترى التراب الذي علا وجه البيوت، وتلاحظ تغير الأحوال وتبدل الأماكن فتحزن كثيرا على تلك البقعة الخضراء التي تحولت إلى ملهى أو مقهى، وتتعذب بذكرى أيام الصبا عندما ترى الأطفال يركضون في ذلك الشارع الذي اندثرت ملامحه وانحنى ظهره وضاقت زواياه. ترى وجه أمك الذي يبتسم رغم السنين فتظن برغم ذلك الشيب الذي خضب رأسك أنك ما زلت طفلا صغيرا ولا يزال العمر أمامك طويلاً، ولكن هيهات هيهات! كل هذا وأكثر يحدث عندما تخونك قوتك فتلهث عند ركوب الدرج وتصعد متكئا على الحائط، وترنو من الأرض رويداً رويداً.. ذات يوم تشتهي خلوة تظفر بها مع نفسك، فتكتم أنفاسك تلك البنايات الشاهقات، ويختبئ القمر ونجماته المتلألآت في عتمة السحب التي تمشي الهُوَيْنا لتسرق منك الطمأنينة وتضع أمامك منحنى عمرك في مأزق ليهبط متعرجا، منذراً بقرب النهاية! هل أزف الرحيل أم أن هناك أحداثا باقية ستعيد للعمر بهجة ضنَّ بها الزمان؟! أنت في شك من جسدك الذي مزقته آلام وحنين لصحبتك التي كانت، وقوتك التي خارت. أنت لم تعد تعلم ما يدور في محيطك، وتسمع بضع كلمات تحاول تجميعها جاهدا من بقايا وعي سحيق. تنكب على الحياة وتنبش بها كطفل صغير يحبو على الأرض وتنادي، فلا يسمعك أحد ربما أنت سراب الموت وكل ما حولك الحياة! أين المفر؟! هل تنسى ما فات وتعيد للعقل همته؟ وما الذي سيتغير إن عشت عمرك الآن؟ ربما يعتدل مزاجك ويعود إليك انسجامك! تحاول أن تحرك جسدك في الهواء ولكن الروح تأبى، فتتساءل: هل الروح تشيخ كما يشيخ الجسد؟! ما زلت تفتش عن ذاتك بعد كل هذا العمر؟! روحك لا تعرف السن أبدا، وهي التي يحيا بها الجسد، إذن لماذا لم تقدرها؟ أدركتك روحك أخيرا وقالت: عُد إليَّ فأنا الحياة وعش ما تبقى ودع الجسد يمضي في رحلته، فلا أنت أنت، ولا أنا عمرك الذي كان!