15 سبتمبر 2025
تسجيل- من المعروف أن التشريع حتى يصبح قانوناً نافذاً يجب أن يمر بعدة مراحل. أولا: مرحلة الاقتراح: وتتمثل هذه المرحلة في التصور كبداية لما سوف يكون عليه القانون، وهي أول الخطوات نحو تكوينه أو إبرازه، ويعتبر بمثابة نص أو حق الاقتراح بطلب يقدم إلى مجلس الشورى، وهذا الاقتراح إذا تقدمت به الحكومة يطلق عليه (مشروع قانون). ويسمى الاقتراح المقدم من أحد أعضاء مجلس الشورى (اقتراح بقانون)، ومن الطبيعي أن الاقتراح وإن كان يحرك العملية التشريعية فإنه لا يعتبر جزءاً منها، بسبب أن الاقتراح لا يشتمل على سلطة الأمر والتي تحول نصا مكتوبا إلى قاعدة قانونية تعتبر عامة وتعتبر مجردة لها قوة القانون والإلزام، ولكن نستطيع أن نقول أن الاقتراح وإن كان يحرك العملية التشريعية، إلا أنه لا يحدد المضمون الذي ينبغي أن يكون عليه القانون، حيث إنه قابل للتعديل، أو التبديل، وأيضا للتغيير، وبالرفض أحيانا. ومن الطبيعي أن يعدل عدة مرات لكي يكسب قوة القانون الملزم، وفي النهاية، قد يرفض هذا الاقتراح ولا يكون له أي وجود. لذلك.. فهو يعتبر عملية تمهيدية تسبق تكّون القانون وما هي إلا تحضير وإعداد، وهناك من الدول من تجعل حق الاقتراح للسلطة التنفيذية وحدها، مثل الدستور الفرنسي، وهناك دول تعطي حق الاقتراح للبرلمان فقط كما الولايات المتحدة الأمريكية، ويوجد أيضا من الدساتير من تجعل من حق الاقتراح حق مشترك بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذا الذي يقوم عليه الفصل المرن بين السلطات والتعاون فيما بينهم. أما في دولة قطر، فإن الأمير لا ينفرد بحق الاقتراح، ولكن يشاركه فيه كل من أعضاء مجلس الشورى باستثناء قانون الميزانية والتي تتقدم به الحكومة لمجلس الشورى. نصت المادة (144) من الدستور: لكل من الأمير، ولثلث أعضاء مجلس الشورى، حق طلب تعديل مادة أو أكثر من هذا الدستور، فإذا وافقت أغلبية أعضاء المجلس على التعديل من حيث المبدأ، ناقشه المجلس مادةً مادة. ويشترط لإقرار التعديل موافقة ثلثي أعضاء المجلس. ولا يسري التعديل إلا بعد تصديق الأمير عليه ونشره في الجريدة الرسمية. وإذا رفض اقتراح طلب التعديل من حيث المبدأ أو من حيث الموضوع فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض. ونستطيع أن نبنى على ذلك أن الأمير وعضو مجلس الشورى متساويان في ذلك الحق تماما. ويطلق على المشروع الذي تقترحه الحكومة (مشروع قانون) ويطلق على المشروع الذي يتقدم به أحد أعضاء مجلس الشورى (اقتراح بقانون). وللعلم لا يوجد اختلاف بين حق الاقتراح في كلا الصورتين، وإن كان هناك اختلاف، فيكون في الإجراءات التي يمر بها مشروع القانون والاقتراح بقانون المقدم من عضو مجلس الشورى والذي يجب أن يحال إلى إحدى اللجان لدراسته، وعادةً ما تكون لجنة الشؤون القانونية، وذلك لإبداء الرأي في فكرة القانون، ومن ثم الصياغة القانونية السليمة له. وأخيرا.. عرض القانون على المجلس للنظر في الإجراءات الأخرى. من الجانب الآخر.. إذا نظرنا إلى مشروع القانون المقدم من قبل الحكومة فإنه يعرض على المجلس بشكل مباشر وإحالته إلى اللجنة المختصة، وذلك لعدم الجدوى في الإحالة للشؤون القانونية للدراسة، والسبب أن هذا القانون قد أخذ كفايته وأخذ وقتا من الدراسة من قبل أجهزة الدولة المختلفة، كما تم وضعه مسبقاً في صيغة قانونية سليمة. كذلك من المفارقات الأخرى أن مجلس الشورى عندما يرفض (الاقتراح بقانون) والذي يتقدم به أحد أعضاء المجلس فلا يجوز تقديمه مرة ثانية في دور الانعقاد ذاته، وهذا الشيء غير موجود في مشروع القانون الذي تتقدم به الحكومة، والتي يجوز لها أن تعيد عرض المشروع المرفوع إلى مجلس الشورى وفي نفس دور الانعقاد، كما يحق للحكومة تعديل مشروعات القوانين التي تقدمت بها إلى مجلس الشورى وللحكومة أيضا أن تسحب بمرسوم مشروع القانون الذي تقدمت به نهائيا، فلا يستطيع بذلك مجلس الشورى من الاستمرار في النظر لهذا المشروع، الا في حالة إذا قام بتبني المشروع أحد أعضاء مجلس الشورى من جديد. هذا هو حق الاقتراح هو الذي يمارسه الأمير بواسطة وزرائه، ويشاركه أيضا كل عضو من أعضاء مجلس الشورى. وأخيرا.. وبعد تقديم مشروع القانون من قبل الحكومة إلى مجلس الشورى يأتي الدور النهائي للعملية التشريعية وهو مناقشة مشروع القانون والتصويت عليه من قبل مجلس الشورى. ثانياً: التصديق: وقانونياً.. هناك فرق بين الاعتراض التوقيفي وبين حق التصديق. والتصديق هو ذاته من العملية التشريعية أو بين مجلس الشورى ورئيس الدولة. فالقانون لا يتم إصداره إلا إذا أقره مجلس الشورى، ومن ثم يصادق عليه الأمير، فتصديق الأمير هنا شرط أساسي لصدور القانون، لأن عدم موافقة الأمير على مشروع القانون ومن ثم امتناعه عن التصديق تعني نهاية المشروع، فعلى أي حال لا يمكن لمجلس الشورى أن تكون إرادته فوق إرادة رئيس الدولة، لذلك فإن حق التصديق هنا يعتبر حقاً تشريعياً وجزءاً أساسياً من العملية التشريعية لا تنجز إلا به. إذاً.. التصديق يعتبر جزءاً من العملية التشريعية، أما حق الاعتراض التوقيفي فلا يعتبر جزءاً من العملية التشريعية، بل هو حق تنفيذي، ذلك أن الأمير إذا اعترض على القانون لا يفقده أي شيء من صفاته، لأنه في النهاية سوف يكون ملزماً بمجرد إقراره من مجلس الشورى، و بذلك كل ما يفعله الاعتراض هو إشعار لمجلس الشورى أن هناك مصاعب تنفيذية قد تترتب على إصدار مثل هذا القانون، والكلمة في النهاية لمجلس الشورى صاحب الأمر التشريعي في إما أن يأخذ بالاعتراض الذي أصدره الرئيس، أو يعدل القانون أو يتركه نهائيا، أو أن يتجاوز هذا الاعتراض بإجراءات معينة بأغلبية التصويت، فيقر القانون مما يجعل تنفيذه بلا اعتراض آخر. أخيرا.. نستطيع القول إن التصديق عمل تشريعي، أما الاعتراض فهو عمل تنفيذي، وسلطة توقيفية، يتم خلالها وقف القانون مؤقتا مع فارق القوة القانونية مع مجلس الشورى في هذا الموضوع. وقد نصت المادة ( 106 ) من الدستور: 1. كل مشروع قانون أقره مجلس الشورى يرفع إلى الأمير للتصديق عليه. 2. إذا لم يرَ الأمير التصديق على مشروع القانون، رده إلى المجلس في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ رفعه إليه مشفوعا بأسباب عدم التصديق. 3. إذا رد مشروع أي قانون خلال المدة المبينة في البند السابق وأقره مجلس الشورى مرة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره. ويجوز للأمير عند الضرورة القصوى أن يأمر بإيقاف العمل بهذا القانون للمدة التي يقدر أنها تحقق المصالح العليا للبلاد، فإذا لم يحصل المشروع على موافقة الثلثين فلا يجوز إعادة النظر فيه خلال ذات الدورة. ثالثاً: الإصدار: وهو عمل تنفيذي بعد الاقتراح، والمناقشه، والتصويت على القانون، وعدم الاعتراض عليه من قبل الأمير، أو إذا اعترض الأمير وأصر مجلس الشورى على موقفه من هذا المشروع، ومن ثم اعُتبر هذا المشروع مصدَّقاً عليه، و تكون هنا العملية التشريعية قد تمت واكتسب القانون القوة التنفيذية الملزمة، ولكن هذا القانون الملزم لا ينفذ إلا بإصدار. ويرى بعض القانونيين أن الإصدار ليس عملا تشريعيا ولا تنفيذيا، ولكن الأغلبية ترى في الإصدار أنه عمل تشريعي تنفيذي تقوم به السلطة التنفيذية بعد أن يستكمل القانون كافة جوانبه. رابعاً: النشر: وهي عملية تقوم بها عادة السلطة التنفيذية، ذلك أن القانون الذي تم إقراره من مجلس الشورى، وتم المصادقة عليه من قبل الأمير، ومن ثم أصدره، وحتى يكون واجب التنفيذ، ولكنه في النهاية لكي ينفذ على الجميع ولكي يعلم به العامة هناك وسيلة النشر في الجريدة الرسمية للدولة، وأيضا يجب نشره بجانب الجريدة الرسمية في الإذاعة أو التلفزيون أو الصحف المحلية، و عند نشره في الجريدة الرسمية وحلول الميعاد القانوني للنفاذ، وقد علم بهذا القانون كافة المواطنين وأفراد المجتمع، وهذه قرينة قانونية تعتبر قاطعة، ولا يجوز إثبات عكسها ولا يقبل من أحد الادعاء أو الجهل بالقانون المنشور. خبـير قانـوني [email protected]