19 سبتمبر 2025
تسجيلهل يعد الكاتب كاتباً عندما يكون خياره فقط البقاء على قيد الكتابة، وكما أن مجرد البقاء على قيد الحياة لا يعني الاستمتاع بالحياة، فإن البقاء على قيد الكتابة لا يعنى أكثر من مجرد الإدمان على عادة وصلت إلى مرحلة المهنة. مهنة الكتابة في مجتمعاتنا خطيرة؛ لأنها فى النهاية قول أو بالأحرى» رأي « فهي بالتالي محفوفة بالمخاطر، نظراً لأن الكاتب قد يعلم من أين يبدأ ولكن ليس بالضرورة وربما دائما لا يعلم إلى أين سينتهي. الكاتب في حالة اختناقه يبحث عن وسيلة لأنه قد لا يتحمل ألا يكتب؛ ومن هنا يبدأ التلمس عن طريق لذلك لكي يبقى على قيد الكتابة لا أن يعيش الكتابة حياة. هذه الحالة غير الصحيه تسىء إلى الكاتب وإلى المجتمع، واللجوء إلى الوسائل الأخرى كالمنتديات قد تحول الكتابة إلى ابتذال كرد فعل نتيجة للمنع. الكاتب أحد رموز مجتمعات الفرجة كنجوم السينما والتلفزيون ولكنه اسهلهم اصطيادا وسقوطا ككبش فداء. يتحول المجتمع إلى مجتمع فرجة عندما لا ينتج المجتمع رموزه فهو ليس أكثر من متفرج ؛ تنشأ هذه الرموز إما ذاتيا وبالتالي تتحمل مسؤوليتها بشكل فردي أو تنشأ اصطناعيا بحماية يراد منها تقديم دور أو توصيل فكرة من أجل هدف معين أو سياسة معينة يراد بثها داخل المجتمع. الكاتب في مجتمعاتنا من الرموز القائمة ذاتيا بمعنى ليس هناك طلب مجتمعي عليه من الأساس وكل ما يملكه المجتمع نحوه إما تشجيعه في حالات أو التبرؤ والاستعاذة منه في حالات أخرى، لذلك تشيع فكرة البقاء على قيد الكتابة كمهنة استرزاق وربما للبقاء في ذاكرة المجتمع ؛ وكثيرا ما تشيع عبارة « أنا اشوف صورتك في الجرائد» دون ذكر للمقال أو للكتابة؛ مجتمع فرجة بامتياز. مجتمع الفرجة، الإصلاح فيه حالة فردية كلٌ يراه حسب حاجته ومن منظوره؛ فالمتدين يراه فيما يعتقده في دينه مهما كان جزئيا كمنع سياقة المرأة أو عدم الاختلاط وما إلى ذلك، والمتحرر يراه في الانفتاح والسياحة، والانتهازي يراه في التأثير أو الوصول لمن يملك القرار وهكذا. في مجتمع كهذا كيف يمكن للكاتب أن يتناول قضايا عامة بل من أين له بقراء وليس بمتفرجين. يشيع الشعر لأنه فن الفرجة وتنتعش السينما والتلفزيون لأنهما فن الصورة ؛ ولكن الكتابة تختلف لأنها فن الفكرة، كم رواية هزت عروش الأنظمة عبر التاريخ وقلبت الموازين، وكم من مقال احدث تحولا لدى المجتمعات الفارزة لرموزها. في الغرب هناك يكتبون باسم المجتمع، وهنا نكتب لكي يتفرج المجتمع، فرق كبير بين عالمين عالم ينتج رموزه وعالم آخر يبحث عن رموز ليتفرج عليهم في ساعة صفاء ولا يسأل عنهم بعد تلك الساعة. لم تعد الكتابة شفاء لما في الصدور ولكن البقاء على قيدها قد يكون أمرا ليس من دونه حولا لمن تغلغلت في أوصاله واختلطت حتى أصبح يفرزها افرازا لا يسيلها كلمات وحروفا. [email protected]