12 سبتمبر 2025
تسجيلفي خطوة غير متوقعة خفض البنك المركزي الصيني الأسبوع الماضي قيمة العملة الصينية "اليوان" بواقع 1.9% لتصل إلى أدنى مستوياتها خلال العقدين الأخيرين.. فيما رأى البعض في هذه الخطوة حلقة من حلقات مسلسل حرب العملات والرغبة في زيادة الصادرات التي انخفضت في شهر يوليو الماضي بنسبة 8.4% بالمقارنة بنفس الفترة المماثلة من العام السابق، فإن البعض الآخر نظر إليها كخطوة جادة نحو إصلاح السوق والمزيد من التحرر المالي ومنح الأسواق الدور الأكبر في تحديد قيمة العملة. وهي الجهود التي بدأت الصين اتخاذها لتحرير سعر صرف عملتها بشكل رسمي في يوليو 2005 عندما قرر البنك المركزي الصيني فك الارتباط بين اليوان والدولار الأمريكي، والسماح لليوان بالتحرك صعودا وانخفاضا في مواجهة سلة من العملات الأجنبية وهي في سبيل استكمال هذه الجهود الإصلاحية بهذه الخطوة، وذلك في ظل سعيها ورغبتها الملحة لانضمام عملتها لعملات حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي والتي تمثل أصل احتياطي نقدي دولي رسمي والتي ينظر الصندوق في شأنها كل خمس سنوات وتضم حالياً الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني. هذا وقد وصف البنك المركزي الصيني هذه الخطوة وهذا الانخفاض بأنه إجراء استثنائي لتعزيز استجابة العملة الصينية لقوى السوق، وأصدر البنك بياناً لطمأنة الأسواق المالية المحلية والعالمية بأنه لن تكون هناك تخفيضات أخرى في سعر صرف اليوان، وألزم جميع البنوك الحكومية بتوفير وبيع الدولار الأمريكي أمام اليوان بسعر 6.43، فيما بلغ السعر في المعاملات الدولية نحو 6.59، ليتراجع بذلك سعر اليوان لأدنى مستوياته أمام الدولار الأمريكي خلال السنوات الأربعة الأخيرة وتحديداً منذ أغسطس 2011 مما تسبب في إحداث حالة من الفزع والتوتر داخل الأسواق وفي مقدمتها الأسواق الآسيوية الناشئة. ومن الجدير بالذكر أن اليوان الصيني قد تعرض خلال الشهور الأخيرة إلى ضغوط عديدة للعمل على إضعافه، لذا فإن الكثير من الخبراء والمتخصصين يرون أن الصين قد عمدت إلى خفض قيمة عملتها للتخفيف من حدة هذه الضغوط... فيما وصف البعض الآخر هذه الخطوة بالثورية، وشكك فريق ثالث بمصداقية السلطات الصينية تجاه عمليات التحرر المالي للأسواق وأكدوا على استغلال السلطات لهذه الخطوة لتحقيق أهداف خاصة، وأن ما يقال عن الإصلاحات ما هو إلا نوع من الغطاء السياسي ليس أكثر. ومع التسليم بأن الصين تعد من أهم وأكبر مستهلكي ومستوردي السلع في العالم، ومن خلال تفسير الكثيرين لخفض الصين لقيمة عملتها على أنه أحد مؤشرات الضعف الاقتصادي، فقد أدت هذه الخطوة إلى خفض أسعار العديد من السلع على مستوى العالم وأدت كذلك إلى خفض قيمة العديد من عملات المنطقة مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفضت الروبية الإندونيسية والرنجيت الماليزي إلى أدنى مستوى لهما خلال السبعة عشر عاماً الأخيرة، وانخفضت كذلك عملات كل من تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية بنسب مختلفة كما فقد اليوان الصيني أكثر من 4.5% من قيمته. ولقد كان من الطبيعي أن يؤدي خفض الصين لعملتها إلى زيادة قوة الدولار الأمريكي وتعزيز معنويات المستثمرين تجاه العملة الأمريكية وزيادة جاذبيتها كوعاء استثماري آمن، ومن ثم فقد تنامى الطلب على سندات الخزانة الأمريكية وارتفع سعرها، وهو الأمر الذي زاد من تردد مسؤولي البنك المركزي الأمريكي في اتخاذ قرار رفع سعر الفائدة الذي سبق وأن أعلن عن نيته في رفعها قبل نهاية هذا العام لإدراكهم بأن هذه الخطوة سوف تزيد من الضغوط التصاعدية على الدولار.... كما سيؤدي قرار الخفض في الوقت نفسه إلى زيادة الأعباء على الاقتصاد الصيني من خلال رفع تكلفة واردات البلاد من السلع وفي مقدمتها النفط الذي يتم تسعيره بالدولار الأمريكي القوي. كما توقع الكثير من الخبراء والمتخصصين أن يؤدي خفض سعر صرف اليوان إلى نزوح الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى خارج الصين، وإن قلل البعض من أهمية هذه الخطوة بالنظر لتعاظم احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية والتي تقدر بنحو 3.69 تريليون دولار أمريكي.... مع تأكيد هؤلاء الخبراء والمتخصصين على أن خفض سعر صرف اليوان بنسبة 1% سيكون كفيلا برفع معدل النمو الاقتصادي بحوالي 1% ومن ثم فهم يؤكدون على أن خفض سعر صرف اليوان بنسبة 1.9% سيكون له دور وتأثير كبيران في رفع معدل النمو في نهاية هذا العام الذي انخفض فيه معدل النمو خلال الربعين الأول والثاني إلى نحو 7% فقط.