16 سبتمبر 2025

تسجيل

السيرة الذاتية

19 أغسطس 2014

من المتعارف عليه بيننا ان السيرة الذاتية هى حصيلة الشهادات العلمية والعملية، وكافة الخبرات والدورات التى حصل عليها الفرد طوال فترة الدراسة، وما يليها بعد الانتهاء من كافة المراحل الدراسية المتعددة وبموجب ما يحمله من هذه السيرة تتحدد مكانته العملية والاجتماعية بالمجتمع، وكل ما تحمله هذه السيرة ليس من فراغ، ولكنه مسيرة عمل وجهد ومثابرة قطعها الشخص حتى يحصل عليها خلال سنوات عمره، وإضافة إلى تنمية بعض الهوايات والمهارات التى يمتلكها الشخص وينميها من الدورات المختلفة، وتكون سبباً فى اتساع آفاقه الفكرية وغيرها، ربما تكون مصدرا من مصادر الدخل له، وكان الفرد لا يستطيع ان يسرد من خلال هذه السيرة إلا كل ما اجتهد فيه من جهود متعددة قام بها باجتهاده الشخصي، ولكن ما نراه ونسمعه فى الوقت الحالى فربما أثار الدهشة لدى الكثير ممن يحيطون بنا ونسمعه من الآخرين بشكل مباشر؛ من اهتمامات الكثير من الأشخاص بالسيرة الذاتية له، فى مجال عمله واصبح الاهتمام يختلف مائة مرة عن اهتمام السابقين من الأفراد قبل الانفتاح الاقتصادي والثقافي، حيث كان اهتمام السابقين بالكيف والمضمون أكثر من اهتمامهم بالكم، وكانت لديهم قيم ثقافية نابعة من الاهتمام المباشر بأهمية العمل والجهد من أجل البناء والتطوير الشخصي والمجتمعي، رغم ضيق الأحوال الاقتصادية ومعاناة الكثير منهم من أجل الوصول، وأما الآن فأصبحنا فى زمن العجائب عما تحتويه السيرة الذاتية من شهادات، إما يتم شرائها سواء كانت بكالوريوس أو ماجستير ودكتوراه من دول مجاورة أو أجنبية، ويمارس الشخص مهنته ويتم اكتشاف اخطائه بعد ما يتسبب فى أخطاء كثيرة لدى من تقدم لهم هذه الخدمات من البشر، ومنهم من يملك مكانة عملية مرموقة ومنصبا كبيرا، ولكنه بحاجة ماسة عند ظهوره فى الإعلام إلى عدة مسميات إضافية؛ إما سعادة الخبير أو المستشار أو الدكتور وليست لديه القدرة على بذل جهود ذاتية من اجل الحصول على هذه الشهادات، ولكن لديه القدرة على شرائها، وان كان بأي مبلغ مادى سوف يرفع من صورته الإعلامية أو من منصبه الاداري، وتبدأ الكوارث عند ترقية هؤلاء إلى مناصب ودرجات كبيرة بالدولة، ويتم إعطاؤهم صلاحيات وقرارات تسببت فى إهدار المال العام، وإيذاء الكثير ممن يتعاملون معه تحت مسماه الوظيفى، ولا يتم اكتشافه إلا بعد حجم المشاكل التى يتسبب بها، وفجأة تسمع بعد إقالته أن كل شهاداته كانت غير سليمة!! ناهيك عن أشخاص آخرين ممن يسعى فى ان تكون سيرته الذاتية مليئة بالهوايات والأعمال التطوعية، إضافة إلى منصبه الذى يشغله، وربما تجد البعض من السادة المسؤولين كاتباً أو روائىا وينشر له عمود أسبوعي أو قصة روائية، وللأسف ان تعرف هؤلاء تمام المعرفة وتعلم حدود نطاقهم الفكري، ورغم ذلك يشترون كل ذلك من أجل الظهور الاجتماعي والمكانة الاجتماعية بدون اى جهود، ولا سعى وراء العلم والعمل والمعرفة، وأما من يلجؤون وراء الأعمال التطوعية والخيرية من اجل تيسير مصالحهم الخاصة، من خلال الأعمال.. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت هذه النماذج من الأفراد تسعى وراء إبراز السيرة الذاتية من الشكل الخارجي بلا هدف ولا مضمون ولا من اجل المنفعة العامة والمجتمعية، وفي نفس الوقت تضخ الدولة ميزانية كبرى من اجل النهوض التعليمي والعملي، وذلك إيمانا منها بأهمية العلم والتعلم في تحقيق مسيرة النهضة الاقتصادية والثقافية والتعليمية، وما مصير الأجيال القادمة إذا كان هذا نمط تفكير كثير ممن يحيطون بنا من البشر فى سيرتهم الذاتية؟ وماذا سوف نتوقع من عجلة التنمية فى السنوات القادمة، إذا كان من يقودها من بعض السادة المسؤولين، ممن يقومون بتلميع وشراء شهاداتهم وسنوات خبراتهم فى الدورات وغيرها، ولذا فنحن بحاجة ماسة إلى ثقافة مجتمعية بأهمية وقيمة العمل نفسه، وأن نكون على وعي كافٍ بأن يكون العلم من اجل العلم والعمل والبناء، وليس من اجل الظهور الإعلامي والاجتماعي والمصالح الشخصية، دون المنفعة العامة للمجتمع، وللأجيال القادمة، ونحن قادرون على ذلك.