31 أكتوبر 2025
تسجيلفي مساء أحد الأيام كان المسافر راكبا حصانه وسائرا قرب الساحل، فلمح نُزُلًا من بعيد فقرر أن يقضي ليلته فيه، فارتجل وربط حصانه بشجرة أمام باب النُّزُل، وعند منتصف الليل وبينما الجميع يغط في نوم عميق، جاء لص وسرق الحصان، وفي الصباح نهض المسافر من نومه وجاء على الفور إلى حيث ربط الحصان فلم يجده، وبعد أن بحث عنه في كل مكان عرف أن لصًا سرقه في تلك الليلة فحزن حزنًا شديدًا. ولما علم النُّزَلاء بما جرى تجمهروا حوله وبدؤوا يلومونه على تصرفه الخاطئ الذي تسبب في سرقة الحصان، فقال الأول: ما أحمقك أيها الرجل! لماذا ربطت حصانك خارج الاصطبل؟، ثم قال له الثاني: اني أستغرب أنك لم تقيد الحصان عندما ربطته!، فما أكثر جهلك!، وقال الثالث: لماذا لم تنم في الخارج قرب الحصان؟، ثم قال الرابع: إن السفر إلى البحر على ظهور الخيل غباوةٌ من الأساس!، وقال الخامس: اما أنا فأعتقد أنه لا يقتني الخيول إلا كل بليد بطيء الخطى، فدهش المسافر من فصاحتهم وبلاغتهم في الوعظ والإرشاد بعد فوات الأوان، وقال لهم عندما سرق حصاني جاءتكم الفصاحة والبلاغة وذهبتم تعدون هفواتي وزلاتي، ومع كل ما أوتيتم من قوة البيان لم يقل أحد منكم كلمة عمن سرق الحصان، ولم يذكر أحد منكم اللص بسوء!. تلك القصة من روائع الفيلسوف اللبناني «جبران خليل جبران» وعنوانها «الناقدون» والتي أوردها في كتابه «المجنون»، إنها قصة تختزل في طياتها فلسفة إجتماعية عميقة، أحداثها ومشاهدها متكررة في كل زمان ومكان، فكلنا عشنا أو معرضين أن نعيش مأساة ذلك المسافر يومًا ما. عندما يقع أمر ما يظهر من حولنا العديد من الحكماء فجأة يبدؤون حديثهم بحرف الشرط «لو»، فيقول أحدهم «لو فعلت كذا لما كان كذا وكذا»، وتلك الشخصية تسمى «حكيم ما بعد الحادث»، أي إنه لا يمتلك أي نصيحة أو رأي قبل أن يقع الحادث، ولم يكن يتوقع أنه لا تصير الأمور على ما يرام أصلًا، وما أن «تقع الفأس في الرأس» إلا وتجده فجأةً أصبح مفوها وذا نظرة ثاقبة للأمور، وبدأ يلعب دور «لقمان الحكيم» ولكن بعد فوات الأوان.