12 سبتمبر 2025

تسجيل

كلمة السرّ التركية

19 يوليو 2016

في تطورات دراماتيكية عاش العالم ساعات من الترقب للهزة السياسية العسكرية التي ضربت تركيا ليل الجمعة الماضية، واستنفرت أجهزة الاستخبارات العالمية والعربية لتوقع مصير تلك الليلة، وهل سيموت القمر أم تظهر الشمس من جديد على حكومة حزب العدالة والتنمية وعلى الرئيس طيب رجب أردوغان، فالأخبار المزعجة بدأت فعليا عندما بثت وكالات الأنباء خبر قيام طائرات مروحية ومقاتلة تجوب سماء إسطنبول، ثم الخبر التالي عن استهداف إحدى الطائرات السمتية لمبنى المخابرات العامة، وهذا أشار إلينا فورا أن حركة عسكرية قد قامت في تركيا، وشخصيا لم أحسم الرأي إلا بعد قصف مبنى البرلمان، فهي ليست ثورة كما يتمنى البعض، بل تحرك انقلابي لدى العسكر ضد الدولة المدنية البرلمانية. مشهد مثير جدا تابعه العالم من أقصاه إلى أقصاه، لم يكن للدراما التركية التي غزت العالم العربي أي صلة به، حيث تسمرت الشعوب العربية والإسلامية أمام شاشات التلفزة لمتابعة تطورات ما يجري في ليلة تركية ساخنة، والغالبية الساحقة تتمنى أن ما حدث قد يكون في النهاية مشهدا تمثيليا لأحد المسلسلات، وليس استهدافا لروح تركيا الأصيلة التي عادت أخيرا إلى سطح العالم، بعد أن كانت قد غرقت في العالم السفلي على زمن حكم العَلمانيين والعسكر الفاسدين الانقلابيين، وأحفاد أتاتورك، ولكن الله سلّم، وانتصر الحق والشعب وأردوغان.الانتصار في معركة الساعات الست، ليس نصر أردوغان والشعب التركي على خونة الجيش كما أسماهم بيان رئاسة الأركان العسكرية التركي، بل هو انتصار للديمقراطية والدولة المدنية التي تدين بتعاليم الإسلام المعتدلة على إمبراطورية الشرّ الكبرى في العالم التي ينضوي تحت رايتها أنظمة وحكومات وتيارات سياسية وقومية وبحر قذر من الفضائيات والصحافة النتنة وكتابها ومحلليها الذين لا يفهمون سوى ما توسوس لهم أنفسهم المريضة، حيث جمعت حلفاء إمبراطورية الشر صفة واحدة هي التطرف الفكري والسياسي وكراهية كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، كما يجتمعون على "الصدق في الكذب" والتأكيد عليه حتى ظهروا للعالم بمدى نفاقهم الذي كشفه التفافهم حول الحقائق والتمني للانقلابيين النجاح، لا لشيء ولكن حتى تعود تركيا إلى الزمن الرديء.إن كلمة السرّ التركية التي راهن عليها الرئيس الطيب أردوغان هي "الشعب" فعندما يحب الشعب رئيسه أو نظامه أو حكومته، فلا يضره غير الله شيء، فقد راهن الرئيس أردوغان على شعبه وفاز برهانه، بعد أقل من ساعة كانت كالدهر، ورغم قطع انقلاب القادة العسكر المتضررين مصلحيا وفكريا، للبث التلفزيوني وسيطرتهم على المحطة الرئيسة وقطع وسائل التواصل، وبث الإشاعات عن مصير القيادة التركية وسيطرة الانقلابيين على مقاليد الحكم، فقد خرج أردوغان في أقل من دقيقة عبر تطبيق "فيس تايم" المستخدم عبر الجهاز الخلوي، ليطمئن الشعب ويطلب منه الخروج لمواجهة أعداء الحرية والديمقراطية وثوابت الدولة التركية الجديدة، فلم يخيب الشعب ظنه، وضُرب المتآمرون بالأحذية واستسلم المرجفون.هذه المحاولة الفاشلة التي استهدفت شخص أردوغان كقائد للتغيير الإيجابي الذي نقل تركيا من الحضيض إلى المراتب العلى للدول، كانت تريد هدم كل بناء الدولة التركية الحديثة، وإعادة الدولة التركية إلى زمن الحكم العسكري الفاسد، حيث يسيطر قادة الجيش على كل مفاصل الدولة ويرتعون بخيراتها، ويحتمون بالقوى الخارجية، ليعود الشعب التركي إلى الفقر المدقع والمديونية والارتهان إلى صناديق القروض الدولية التي باتت سيفا مسلطا على رقاب دول وشعوب العالم الثالث.. ولكن بفضل الله وبوعي الشعب الذي آمن بنظامه السياسي المدني وبحكومته وبحزبه الحاكم الذي أثبت جدارته، فقد هُزم الجمع، وبات أردوغان وحزبه أقوى من ذي قبل، وأبصرت عيناه ما كان غافلا عنه. إن ما جرى في تركيا يفتح آفاقا واسعة أمام التفكير وإعادة التفكير لدى أمة العرب والشرق الأوسط، ففي الوقت الذي كانت تبكي فيه الأمهات والعجائز السوريات من ويلات جيش النظام السوري وقصف دباباته وطيرانه وفقدان أبنائهن، كانت الأمهات والعجائز التركيات يبكين أيضا، ولكن خوف من سيطرة العسكر من جديد، وخشية على مستقبل أبنائهن، فدفعن بهم إلى الشوارع لمواجهة الدبابات والجند المغرر بهم.. وهذا سرّ نجاح الدول وتطورها، فالجيش هو سور للوطن، وليس لهدم أسواره وبيوت أهله وبيت الشعب البرلمان وبيت أمن الدولة مبنى المخابرات، وقتل الشباب العزل في الشارع، كما حدث خلال الساعات الأولى بتركيا. المعركة لا تزال قائمة بين الحق والباطل.. واعتقال قادة الجيوش والأدميرالات في تركيا ممن تواطأوا أو تورطوا مباشرة، هو اعتقال وتصفية وتطهير لمعاقل الرجعية الشريرة، وهي فرصة لن يفوتها بالتأكيد أردوغان لقطع رأس الأفعى بعدما قطع ذنبها، وإلا سينفجر لغم أرضي جديد بين قدمي الدولة التركية في أي وقت قادم.