12 سبتمبر 2025
تسجيلبلغ الصراع السياسي في مصر حدا لم يبلغه من قبل، إذ تجري حالة انقسام أعلى وأشد مما عاشته مصر أيام ثورة يناير. الآن أصبح في مصر رئيسان في ذات الوقت، أحدهما الرئيس محمد مرسي الذي يستند إلى شرعية انتخابية تجعله في موقع المقاومة لاحتجازه، والثاني الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي يستند إلى بيان وزير الدفاع المستند بدوره على مظاهرات 30 يونيو الماضي. وفي مصر وزارتان أحدها كلفها د.محمد مرسي وأقيلت بعد بيان وزير الدفاع، وهي برئاسة د.هشام قنديل، وأخرى عينها الرئيس المؤقت برئاسة د.حازم الببلاوي. ولدينا دستور استفتى عليه الشعب في سلطة الرئيس مرسي المنتخب بدوره من الشعب، وهو ما أوقف العمل به بيان وزير الدفاع، وفي مقابله لدينا إعلانات دستورية من الرئيس المؤقت. ولدينا سلطة إصدار القوانين في ظل سلطة د.مرسي، منتخبة مع الشعب ممثلة في مجلس الشورى المصري، الذي جرى حله وفقا لبيان وزير الدفاع، ومنحت اختصاصاته للرئيس المؤقت المعين وفقا لذات البيان. وهكذا الحال في أنماط أخرى من المؤسسات الشعبية إذ يجري إعلان النقابات المهنية عن انضمامها لجبهة رفض الانقلاب العسكري ولجان وهيئات قانونية وسياسية أخرى تحت نفس العنوان. مصر تعيش حالة ازدواج سلطة. هناك سلطة تستند إلى موقف القوة وأحزاب الأقلية التي قاومت حكم الرئيس مرسي، وسلطة مرسي وداعميه التي تستند إلى مشروعية الانتخابات وضغط المظاهرات في الشوارع. وبين السلطتين صراع يسقط فيه الضحايا في كل يوم تقريبا. تلك الوضعية خطرة. وهي تذكرنا بأحداث وأوضاع عاشتها دول أخرى، ولا يمكن لها الاستمرار، فإما أن تنتهي إلى حالة صراع أشد دموية لا يعلم الله إلى أين يذهب بمصر، وإما أن تنتهي إلى وضعية المساومة بين الأطراف المتصارعة للوصول إلى حل وسط يعيد إنتاج حالة وطنية جامعة وحالة دولة موحدة تنتهي فيها حالة الازدواج الخطرة الحادثة حاليا. وحتى الآن، لا تبدو الأمور في طريقها للحل أو المساومة رغم ما يقال عن وجود مفاوضات، وهو ما يظهر في تثبت كل طرف بمطالبه وبرؤيته ويرى ضرورة تراجع الطرف الآخر. فتيار الدفاع عن الشرعية لا يزال يطرح ضرورة العودة عما جرى والإفراج عن الرئيس وعودته لممارسة سلطاته الدستورية وعودة مجلس الشورى وإنهاء تعطيل الدستور المستفتى عليه.. إلخ، بينما الطرف الآخر يتحدث بلغة النجاح فيما ابتغاه وأن القطار قد تحرك ولن يتوقف وأن على الطرف الآخر نسيان ما كان قائما من قبل والتعايش مع ما هو قائم حاليا والدخول في أجواء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقا لخارطة الطريق التي أعلنها وزير الدفاع والإعلان الدستوري الصادر من الرئيس المؤقت. كل ذلك يعني أن كلا الطرفين لا يزال يرى أن بيديه أوراقا للضغط، والدلالة أن الصراع لا يزال مفتوحا على اضطرابات ومفاعيل أخرى من الصراع. هذا الأمر مختلف عما عاشته مصر خلال ثورة يناير، إذ لم يخرج الحال في تلك الفترة عن شعب في مواجهة سلطة، شعب كان ثائرا وسلطة ترفض مطالبه حتى انهارت مقاومة السلطة وحدث التغيير على صعيد رئيس الدولة. ولذا انتهت ثورة يناير إلى حل وسط أنهى حالة الصراع المباشر، ولم ينتج عنها تشكيل سلطتين متصارعتين، كما هو الحال الآن. لم تقف مصر بعد يناير في مفترق طرق، ولم يطرح أحد احتمالات الاحتراب الأهلي، ولم يحدث انقسام وتعدد في الموقف الدولي والعربي على هذا النحو الذي نعيشه الآن. إلى أن تحسم الأمور إلى سلطة يتمسك بها أنصارها وأنصار الشرعية الانتخابية أم إلى سلطة فرضت على المشهد وتسير في طريقها رغم كل الاحتجاجات والمظاهرات. وكيف يصل أهل بر مصر إلى بر الأمان؟