11 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا نحتاج لإنشاء وكالة أنباء عالمية؟

19 يوليو 2012

يوصف عصرنا الحالي الذي نعيش فيه - بخيره وشره - بعصر المعلومات، حيث غدت فيه المعلومة هي المحور الأساس الذي تتحكم في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، وذلك بسبب سهولة انتقالها وقدرتها على الوصول إلى ملايين الناس في أقاصي بقاع الأرض خلال ثوان معدودة، وحيث تمثل فيه المعرفة القوة الحقيقية التي لا تضاهيها قوة أخرى، ومن يستطيع السيطرة على تدفق المعلومات أو نشرها كأخبار، لا يؤثر فقط في آراء الأفراد واتجاهاتهم الفكرية، بل يؤثر حتى في السياسات الحكومية للدول وتشريعاتها، وكذلك المعاملات التجارية في جميع أنحاء العالم. ولهذا السبب فإن وسائل الإعلام قد لاقت رواجا في العصر الحالي وأصبحت لها أهمية بالغة الشأن، وظلت وسائل الإعلام، سواء المطبوعة أو المرئية أو السمعية، تلعب دورا حاسما في تحديد مستقبلنا، ولكن ورغم الأهمية القصوى لوسائل الإعلام في بلورة الرأي العام المحلي والعالمي، فإن منطقة الشرق الأوسط لديها حصة ضعيفة وبائسة في الإعلام الجديد ووكالات الأنباء. لا أحد يستطيع أن ينكر بالطبع الدور الريادي الذي تلعبه شبكة الجزيرة وتأثيرها الواضح كقناة فضائية إخبارية، ولكن هناك مساحة غاية في الأهمية لم نغامر فيها بعد، وهي وكالات الإنباء العالمية، التي ما زال يهيمن عليها الغرب، وأهم ثلاث وكالات عالمية هي: رويترز، وكالة أنباء أسوشيتد برس ووكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب)، والمعروف عنها تقديمها لوجبة الأخبار العالمية الدسمة على طبق غربي. في الوقت الذي يفتقر فيه الشرق الأوسط إلى وكالة أنباء قوية وفعالة وجديرة بالثقة وغير متحيزة، تستطيع أن تقدم خدماتها من الأخبار والآراء والتحليلات ليس فقط للمنطقة العربية، بل لكل العالم، كما هو الحال في بقية أنحاء العالم، حيث نجد الصحف وغيرها من مختلف وسائل الإعلام تعتمد على وكالات الأنباء الغربية لملء صفحاتها وفراغاتها. ومن خلال هيمنة هذه الوكالات على وسائل الإعلام الواسع والمتعدّد الوجوه، فإنها أصبحت تفرض أجندتها على خارطة العالم، لأنها تصنع الخبر وتقدمه للعالم، بدلا من مجرد نقل أو نشر للخبر، الذي أصبح بالنسبة لهذه الوكالات العالمية شيئا من الماضي. لا شك أن أحد التداعيات السلبية جراء الهيمنة الغربية على قطاع وكالات الأنباء العالمية شكلت في كثير من الأحيان رؤيتهم لمنطقة الشرق الأوسط من منظور غربي بحت، وظل هذا المنظار الأحادي الضيق يفشل مرارا وتكرارا في الكشف عن الفوارق والتفاصيل الدقيقة للعديد من الأحداث التي تجري في منطقتنا العربية، حيث يظهر دائما صورة الأحداث من جانب واحد فقط، إما بسبب الذين يقومون بتحرير تلك التقارير من هنا غير مستوعبين أو مدركين لطبيعة القضية والتاريخ وسياق الأحداث، أو أن الأخبار حينما تصل إلى مقر الوكالة العالمية، يتم إعادة تحريرها وتعديلها حتى تتناسب مع أجندتهم، وفي كثير من الأحيان هو السبب الذي يجعل وجهة النظر العربية يرثى لحالها، إذ يتم تجاهلها واستبعادها وإهمالها في بعض من التقارير الخاصة بوكالات الأنباء العالمية، وهو أمر مؤسف للغاية، لأنه لا يعطي الجمهور العالمي صورة كاملة وحقيقية عن الواقع، طالما أن هناك وجهة نظر مغيبة. لقد استطاعت شبكة الجزيرة أن تخلق ثورة في عالم الإعلام المرئي، لأنها ظلت تقدم للعالم صورة لما يدور في العالم العربي والشرق الأوسط من خلال تغطيتها الإخبارية للأحداث منذ تأسيسها في العام 1996. وقد أسهمت قناة الجزيرة في نقل انتفاضات الربيع العربي للمشاهد، مما أتاح لشبكة الجزيرة أن تضع أيقونتها بجدارة واستحقاق في أعلى خارطة وسائل الإعلام المرئي (مع تحفظي على بعض برامجها)، رغم أن هذا الشرف الرفيع لم يسلم من الأذى، حيث جلب هذا الشرف معه انتقادات لاذعة للغاية، سواء بالنسبة لشبكة الجزيرة أو لقطر. وصارت قطر في موقف لا تحسد عليه لسبب آخر، وهو استثماراتها الضخمة في الخارج في الآونة الأخيرة، والتي أسالت لعاب الكثير من الصحفيين الغربيين وأقلامهم في محاولات للنيل من قطر من خلال التقارير السلبية والمتضاربة في وسائل إعلام محددة، غالبا ما تقدم معلومات غير صحيحة ومضللة في ذات الوقت، ولهذا فإنه يجدر القول بأن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا في العالم العربي، خاصة بالنسبة لقطر، لوجود وكالة أنباء عالمية من شأنها أن تعكس وجهة النظر العربية وتصنع الخبر للعالم بصورة نزيهة وغير متحيزة عما يدور من أحداث وشؤون في منطقتنا العربية، أو ما يرتبط بها من أحداث. ولقد ساعدت الطفرة الهائلة التي حدثت في عالم الاتصالات والتي أرغمتنا على تطويع أنفسنا وإمكانياتنا كي نتواكب مع متطلبات ومستلزمات هذا العصر، عصر إيصال المعلومات عبر الأقمار الصناعية والإنترنت من أن تستحوذ وكالات الأنباء العالمية على نصيب أكبر من القوة والنفوذ، لأن مختلف وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم تعتمد عليها للحصول على الأخبار العالمية وحتى المحلية، وبذلك يكون لها التأثير المباشر على مجريات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم التقدم التكنولوجي الذي لازم عصر المعلومات الحالي، فإن جزءا كبيرا من العالم ما زال يعتمد على الأشكال التقليدية القديمة لوسائل الإعلام كالصحف المطبوعة والإذاعة، وفي ذات الوقت، نجد أن خدمات شبكة الجزيرة قد اقتصرت على خدمة التلفزيون الفضائي والمواقع الإلكترونية، فنادرا ما نرى الأخبار التي تبثها شبكة الجزيرة تتناقلها الصحف أو الإذاعة أو وسائل الإعلام المختلفة. الأمر الثاني، تتمتع وكالات الأنباء بمصداقية أكبر مقارنة مع القنوات التلفزيونية. وتشهد منطقة الشرق الأوسط تحولا سريعا في جميع مجالات الحياة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية، ولذلك فإن وجود وكالة أنباء عالمية يكون مقرها في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في قطر، يمكن أن يساعد في تغيير معادلة التحيز وأيضا الصور النمطية التي أفعمت عقول الجمهور العالمي المراقب لأحداث المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، ويمكن لهذه الوكالة العالمية تقديم معلومات متوازنة تمكن جمهور الرأي العام العالمي من أن يحكم بنفسه على مجريات الأحداث. كذلك فإن وكالة الأنباء العالمية سوف تساعد أيضا الحكومات والمؤسسات الدولية على التواصل مع الجمهور العالمي، دون الاضطرار إلى مواجهة بعض الصحفيين المتحاملين الذين يسعون بشتى السبل إلى تمرير أجنداتهم الخفية الخاصة. إن وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام الجديد هي السلطة الحقيقية في عصر المعلومات، ومن هذا المنطلق كان التنافس العالمي المثير نحو السيطرة المطلقة على سلطة المعلومات، فبمقدار ما تستطيع أن تحققه أدوات هذه القوة الناعمة من تغيير في عقل الفرد وثقافته، تزداد قوة وأهمية وتصبح سلطة حقيقية في المجتمع، ولكن تكمن الخطورة حينما يسعى من يمتلك أدوات هذه القوة إلى تحقيق أهداف ومآرب خاصة لصنع ونشر قوالب خبرية ومعرفية جاهزة هدفها تغليف الشر بورق هدايا الخير اللامع، للتحكم بأكبر شريحة من مجتمع الرأي العام العالمي واستغلالهم لأهداف اقتصادية أو سياسية خفية، وظل الغرب منذ فترة طويلة يستخدم هذه القوة الناعمة في الترويج لأفكاره وتمرير أجندته وأهدافه ومآربه الخاصة للمجتمع العالمي. لقد حان الوقت الآن لكي تبادر منطقة الشرق الأوسط بتقديم طريقة بديلة لسرد الأحداث، فالفرصة متاحة وسانحة الآن أكثر من أي وقت مضى، ولدينا الموارد الكافية للقيام بذلك، نحن فقط بحاجة لاستخدامها بحكمة وفعالية، فحتى الآن، لم نستثمر مواردنا بشكل صحيح في قطاع الأخبار العالمية والقطاعات الجديدة لوسائل الإعلام كالمواقع الإلكترونية (الإعلام الجديد)، وهناك فراغ عربي كبير في هذا القطاع الذي ينتظر بفارغ الصبر أن يتم ملؤه. وينبغي للحكومات والشركات الخاصة والمؤسسات في منطقة الشرق الأوسط أن تنظر إلى قطاع الإعلام غير التقليدي باعتباره فرصة استثمارية ذهبية، وأخذ زمام المبادرة لإنشاء وكالة أنباء عالمية مقرها في منطقة الشرق الأوسط، أو الاستثمار في الوكالات القائمة حاليا، وهذا أضعف الإيمان.