14 سبتمبر 2025
تسجيلجيلنا لم يعرف الكراهية، لم يعرف الفرز، نتعامل بالأسماء، نتفاهم بالمشاعر العربية الواحدة بعيداً عن أي هوية ضيقة أخرى، أذكر أنه في الفصل الدراسي لشهادة الثانوية لعام 73-74 م في مدرسة الاستقلال الثانوية في فصلنا عدد من الأخوة الأفاضل من أصحاب الديانة المسيحية كانوا من أعز أصدقائي وأكثر الطلبة مرحاً وسروراً وابتهاجاً داخل الفصل وخارجه، لا أذكر أن أحدنا قط قد خاطبهم ولوجا من ديانتهم، لم أستشعر ديانتهم كمحدد للعلاقة معهم إطلاقا، ولم نكن نعلم ولا نبحث عن الانتماءات الطائفية قبل سريان حمى الكراهية التي اجتاحت المنطقة بلا هوادة. أذكر أن الأخوة المسيحيين كانوا معفيين من حضور حصة الدين، وكان ذلك أمراً عادياً لم ينتبه إليه أحد بحكم الشعور الإنساني السائد والشعور القومي العربي الذي كان محددا أكثر ثبوتاً من غيره من أشكال المرجعيات الصغرى الأخرى. لم يعرف جيلنا الكراهية كما يستهلكها يومياً جيل اليوم بشكل يدعو إلى التقزز والنفور، في تلك الأثناء كانت حرب أكتوبر 73، حيث كنا نلتئم حول المذياع نتناقل أخبار الحرب على الجبهتين السورية والمصرية ونردد الله أكبر، بمن في ذلك الأخوة العرب أصحاب الديانة المسيحية. الأديان لا تعرف الكراهية إلا حين يجهل طبيعتها أبناؤها، كان نظامنا التعليمي انعكاسا لتطلعات الأمة وآمالها وتطلعاتها، لا أعرف أين ذهب هؤلاء الزملاء بعد ذلك، لكنني على يقين أنهم عاشوا معنا عصراً جميلاً من التآخي يصعب اليوم إعادته. فللأخوة المسيحيين العرب عبر التاريخ دور مجيد في تاريخ العرب والإسلام، بل إن الكثير منهم قد آمن بالإسلام كهوية جامعة لعروبته ومسيحيته. هناك قول لأحد أكبر المنظرين المسيحيين العرب الحزبيين عن الإسلام يؤكد روح التآلف ونبذ الكراهية التي كانت سائدة، حيث يقول "إن حركة الإسلام المتمثلة في حياة الرسول الكريم هي الهزة الحيوية التي تحرك كامن القوى في الأمة فتفيض على الأمم الأخرى فكراً وعملاً"، نحن اليوم مع الأسف نعيش بين كراهيتين، كراهية داخل الدين الواحد وكراهية مع الآخر المختلف دينياً، وبدأت أجيال الكراهية تتناسل حاملة داءها في ردائها، أرجو أن ننتبه لذلك قبل فوات الأوان.