30 أكتوبر 2025

تسجيل

ليس لك حق التصرف

19 يونيو 2022

قرر بوراشد أن يقوم بعمل صدقة جارية في ثواب والده المتوفى، وبعد السؤال والتحري اهتدى إلى إحدى الجمعيات الخيرية والتي تعمل في مجال أعمال الإغاثة الخيرية والإنسانية في إحدى الدول الخليجية، وبالرغم من أن هذه المؤسسة الخيرية معترف بها من قبل الجهات الحكومية في تلك الدولة إلا أن بوراشد قاسى الأمرين لتحويل أموال الصدقة من خلال مصرفه، فدعوني أروي لكم قصة بوراشد مع هذا المصرف. تبدأ القصة بحلم يرى فيه بوراشد أباه المتوفى يقف على باب مسجد صغير ويحمل بيديه ابريق به ماء بارد يقوم بتقديم الماء لكل من يدخل المسجد، يستيقظ بوراشد ويعقد العزم بأن يقوم بعمل صدقة جارية لوالده من خلال حفر بئر وبناء مسجد، فهو أمر سينفع الله به والده المتوفى بعد انقطاع عمله في هذه الدنيا وسينفع كذلك المحتاجين والفقراء في منطقة إقامة المشروع في تلك الدولة الإسلامية. بالفعل وكما قلنا في المقدمة إن بوراشد بعد السؤال والتقصي اهتدى إلى إحدى الجمعيات الخيرية المعترف بها في إحدى الدول الخليجية وتواصل معها وبالفعل لم تبخل الجمعية بمد بوراشد بمشاريع الخير التي تتناسب مع ميزانيته. توجه بوراشد إلى مصرفه للبدء في تحويل الأموال المطلوبة لمشروعه الخيري ولكن وكما يقال تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. يجلس بوراشد مع موظف البنك ويبدأ بالحديث "السلام عليكم من فضلك ابغي اعمل حوالة دولية"، يرد موظف البنك "عليكم السلام، إن شاء الله، ممكن تعطيني بيانات المستفيد وكم المبلغ وسبب التحويل"، بوراشد "ابغي احول مبلغ 100 ألف دولار وهذي بيانات المستفيد مكتوبه في الورقة والسبب اني ابغي ابني مسجد واحفر بئر سبيل في ثواب ابوي رحمة الله عليه"، يبتسم موظف البنك ويرد بكل أدب "جزاك الله خير ورحم الله والدك، بس انا متأسف ما يصير تحول الفلوس"، يتفاجأ بوراشد ويقول "عسى ماشر شصاير، ليش ما اقدر احول، والفلوس موجودة في الحساب شلمشكلة يعني ؟"، يرد موظف البنك "صحيح حسابك يغطي المبلغ ويزيد، ولكن السياسة الداخلية في مصرفنا تمنع من تحويل أي مبالغ إلى جهات خيرية خارج البلد"، تعلو وجه بوراشد علامات التعجب والحيرة والغضب ثم يقول "يه (كلمة تعجب) والله سالفة هذي فلوسي ولا فلوسكم علشان تقررون من احول له ومن ما احول له؟ حبيبي هذي الجمعية تعمل في العمل الإنساني أكثر من ثلاثين سنة ومعتمدة ومعترف بها من قبل الجهات الرسمية في بلدها، وعاملة مشاريع حول العالم حتى ان بعض مشاريعها تم الثناء عليها من قبل منظمات الأمم المتحدة الرسمية، وانت بكل سهولة تقول لي ما اقدر احول لهم علشان السياسة الداخلية، من وين جايب هذا الكلام"، يستشعر الموظف غضب بوراشد ويحاول أن يهدئ من حدة الموقف فيقول "يا أستاذ الله يطول عمرك هدى أعصابك، هذي توجيهات مفروضة علينا علشان موضوع دعم الإرهاب وغسيل الأموال" يقاطع بوراشد الموظف فيقول "من فضلك لا تقول كلام ممكن تحاسب عليه، التشريعات والقوانين والضوابط إنما وضعت لتحكم عمليات وآليات التعاملات والتحويلات البنكية ولحماية الاقتصاد الوطني، وما أعتقد أنه هناك من وجهكم بشكل مباشر انكم ما تقومون بعملية تحويل الأموال للجمعيات الإنسانية، يعني مثلا لو انا في دولة خليجية هل البنوك هناك بتمتنع عن تحويل الأموال للهلال الأحمر القطري مثلا أو جمعية قطر الخيرية؟"، يرتبك الموظف قليلا ثم يقول "يا أستاذ انا مجرد انفذ للأوامر وهذي حدود صلاحيتي". ينتهي اللقاء بين بوراشد وموظف البنك من دون فائدة، "فلا بوراشد اللي حول الفلوس ولا موظف البنك استطاع أن يبرر أسباب رفض هذا المصرف تحويل الأموال للجمعية الخيرية بالرغم من تقديم كل البيانات المطلوبة". وختاما أقول: بعض البنوك للأسف تتقاعس أو تمتنع عن تنفيذ عمليات مالية وهي حق من أبسط حقوق العميل في التصرف بأمواله وتتذرع بتوجيهات وأوامر عليا، وفي اعتقادي إما أنها تحاول إبقاء الأموال أطول مدة ممكنة في خزينتها للاستفادة منها أو أنها ترجمة خاطئة للقوانين والأوامر، فليس من المنطق أن يكون هناك توجيه بمنع تحويل الأموال لكل الجمعيات الخيرية والإنسانية الدولية حول العالم.