15 سبتمبر 2025

تسجيل

دبلوماسية التخريب

19 يونيو 2019

في الوقت الذي حلَّ فيه رئيسُ وزراء اليابان (شينزو آبي) ضيفًا على المُرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران (علي خامنئي)، في أول زيارة لمسؤول ياباني كبير إلى طهران، منذ الثورة الإيرانية عام 1979، للمُساهمة في خفضِ حِدّة التوتر في منطقة الخليج، تعرّضت ناقلتا نفطٍ لانفجارات، الأسبوع الماضي - بالقرب من مضيق هرمز- الذي يعبرُ خلاله ما بين 20-40% من النفط إلى الأسواق العالمية. ورأت مصادرُ صحافية أن هذا الحادث يُفشلُ محاولاتٍ جادةً لتخفيف حِدَّة التوتر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، بعد إعلان الولايات المتحدة انسحابَها من الاتفاق الموقع في 2015، وفرضَ حظر اقتصادي خَنَقَ الاقتصادَ الإيراني. وكان المُرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران قد صرّح يوم الخميس الماضي أن «الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يستحق تبادل الرسائل معه، وليس لديَّ أيّ جواب له ولن يكون في المستقبل». وكان موقعُ المُرشد الرسمي قد أعلن أن إيران «لا ثقة لديها إطلاقاً في أمريكا». ولقد تضاربت الآراء حول ما إذا كان (آبي) قد نقل رسالة للمُرشد من الرئيس الأمريكي! في حين أعلنت (طوكيو) أن رئيسَ وزرائِها لا يحمل رسالة لحساب أحد، وأن الهدف الوحيد لزيارته هو المساهمة في خفض حدة التوتر!. ولقد جدَّد الرئيس الأمريكي، يوم الجمعة الماضي، اتهامَه لإيران في التسبُّب في حادث الناقلتين، ووصف إيران بأنها «أمة إرهاب»! وأن أمريكا قد فضحت إيران عن مسؤوليتها في الهجمات التي استهدفت الناقلتين. وحسب شبكة فوكس نيوز فإن ترامب استشهد بشريط فيديو يُظهر ما قال إنه قارب إيراني يُزيل لغماً – لم ينفجر- من إحدى السفينتين!. وعن إمكانية إغلاق مضيق هرمز، قال ترامب: «إن المضيق، إذا ما أُغلق، فلن يُغلق لوقت طويل». وهذا ما يُشير إلى أن الولايات المتحدة تحاول إيجادَ مُبرر، خصوصا وأن العالم يقف معها، نتيجة سعيها لضمان استمرار تدفق النفط إلى الأسواق العالمية!. وحدث تلاسن إعلامي حول حقيقة اقتراب القارب الإيراني من إحدى الناقلتين، حيث أعلنت الولايات المتحدة – يوم الجمعة الماضي – أن زوارقَ إيرانية سريعة منَعت سَحبَ ناقلة النفط النرويجية «فرونت ألتير» التي أُعطبت في المنطقة نتيجة استهدافها، فيما ردّت إيران بأن القوارب أنقذت طاقمَ الناقلتين. وقال المتحدثُ باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي «نحن المسؤولون عن الحفاظ على أمن المضيق، وقمنا بإنقاذ طاقم الناقلتين في أقصر وقت مُمكن، وأن اتهامات وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو لإيران لا تُثير القلق». وكان وزير الخارجية الأمريكي قد حمّلَ إيرانَ مسؤوليةَ الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عمان، يوم الخميس الماضي، واستند الوزير- حسب قوله – إلى معلومات مخابراتية، ونوعية الأسلحة المُستَخدمة والأسلوب المتطور للهجمات، في الوقت الذي دعا فيه إيران إلى طاولة المفاوضات. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد رفض الاتهامات الأمريكية، وقال في تغريدة له: «إن المزاعم الأمريكية ضد إيران بشأن الهجمات على ناقلتي نفطٍ في خليج عمان، تأتي في إطار «دبلوماسية التخريب» التي يتولاها فريق (بي) الذي قال إنه يضم مستشار الأمن القومي الأمريكي (جون بولتون)!. وأضاف: إن بولتون ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي يدفعون الرئيسَ الأمريكي إلى صراع مع طهران». ويوم الأحد الماضي ألمحَ رئيسُ مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى أن الولايات المتحدة تقفُ خلف الهجمات «المشبوهة» التي استهدفت ناقلتي نفطٍ في خليج عمان. وفيما أُشيع عن تعرّض الناقلتين لألغام بحرية، فإن رئيس شركة (كوكوكا كاريدجز) قد أعلن - بعد سحب الناقلة نحو (خورفكان) - أن طاقم السفينة قد أبلغهم أن جسمًا طائرا اقترب من السفينة، وأنهم وجدوا ثقباً، ثم شاهد أفراد الطاقم الضربةَ الثانية، مُستبعدًا أن تكون السفينة – التي تحمل 25 ألف طن من الميثانول- قد أصيبت بقذيفة طوربيد. ولقد أدانت دولة قطر العملية التخريبية التي استهدفت ناقلتي نفط في خليج عمان، بغض النظر عن هُوية الفاعل. وحذّر بيانُ وزارة الخارجية من العبث بأمن منطقة الخليج والمنطقة كَكُل، وطالب البيانُ بتحقيق دولي عاجل يكشف الحقائق ويضع الأطراف الضالعة أمام مسؤولياتها القانونية. وأكد البيانُ أن الهجوم يُعدُّ تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة، وحذّرَ من تداعياته الخطيرة على أمن وسلامة مسارات التجارة الدولية. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد ندَّد، يوم الخميس الماضي، بالهجوم على ناقلتي النفط، مُحذّراً من أن العالم لا يستطيع تحمّل نزاعٍ كبير في الخليج، كما دعت وزيرةُ خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى إبداء أقصى درجات ضبط النفس، وتفادي الاستفزازات في المنطقة، بعد حادثة ناقلتي النفط، في حين دعت روسيا إلى عدم التعجّل في إصدار الأحكام، حيث ذكرَ نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف أن «على الجميع عدم التعجّل في تحميل إيران المسؤولية عما يُشتبه بأنه هجوم على ناقلتي نفط في خليج عمان»، وأضاف «إنه ينبغي عدم استغلال الواقعة في تأجيج التوتر مع إيران». وكان وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت قد صرّح بأن بريطانيا تعمل على أساس أن «إيران مسؤولة عن الهجمات التي استهدفت ناقلتي نفط في خليج عمان»، مُحذّراً إيران من أن هذه الأفعال غير مقبولة، مُعبّراً عن «قلقه من هذا التوتر»؛ الذي يُشكِّل خطرًا حقيقيًا على آفاق السلام والاستقرار في المنطقة، وأضاف «ليس هناك ما يدعونا لعدم تصديقِ التقييم الأمريكي بأن إيران وراء الهجوم على الناقلتين». وأعلنت بريطانيا يوم الأحد الماضي بأنها سترسل قوة عسكرية قوامها 100 جندي لحماية سفنها في الخليج. كما أعلنت واشنطن – أمس الثلاثاء - إرسال 1000 جندي أمريكي إلى المنطقة. واعتبر مراقبون أن ضربَ السفينة اليابانية هي رسالة لرئيس الوزراء الياباني، خصوصًا وأن الرئيس الأمريكي تبنّى عرضَ رئيس الوزراء الياباني – خلال زيارته لطوكيو في 27 مايو الماضي - والمتعلق بتخفيف التوتراتِ بين واشنطن وطهران. معلوم أن أصابعَ الاتهام قد وُجّهت إلى طهران في حادثة استهداف أربعِ سفنٍ بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي قبل حوالي الشهر. فمَن المستفيد من هذا الاحتقان المثير في المنطقة؟ العقل يقول: لو كانت إيران مسؤولة عن الحادثة، والحادثة التي قبلها، لاستهدفت ناقلاتٍ لـ «أعدائها» في المنطقة؟، حيث إن علاقات إيران باليابان ليست سيئة، كما هو الحال مع السعودية والإمارت!. كما استهدفت أصابعُ الاتهام جماعاتِ الحرس الثوري الإيراني المُتشددة، والذين يعارضون التفاهمَ مع واشنطن، وتورد هذه الأصابع إشارةً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف - الذي يُعتبر من المعتدلين في إيران - عندما وصف تلك الهجمات على الناقلتين بأنهما «مشبوهة». هل يُمكن توجيهُ أصابعِ الاتهام إلى الحوثيين الذي طالت طائراتهُم المُسيّرةُ مواقعَ هامة في شرق وغرب السعودية؟. وهل يمكن التفكير في وجودِ عناصر تخريبية متطرفة، عرقياً وعقائدياً، في المنطقة، وهي التي قامت بذلك الفعل الشائن؟!. وهل يمكن أن يكون الجُناةُ يُسَهّلون على الولايات المتحدة ضربَ إيران؟ أي إن تقوم الولايات المتحدة بشنّ حرب على إيران «بالنيابة» عنهم؟. بلا شك أن الأفلام التي صوّرتها بعضُ السفن الأمريكية لحادث اقتراب قاربٍ إيراني من إحدى الناقلتين المُستَهدفتين، قد تزيل بعضَ الغموض عن المُتسبب في الحادثة، ولكن القارب – كما يقول التعليق – كان يُزيل أحدَ الألغام غير المُنفجرة قربَ الناقلة اليابانية، وهذا لا يُدينُ أصحابَ القارب بالتسبُّب في استهداف الناقلة. إذن، مَن قام بعملية استهداف الناقلتين كانت له أهداف وأطماع بقيام حرب بين واشنطن وطهران، ووَجد في هذه الحادثة مُبررًا لإشعال هذه الحرب!. نحن نعتقد أن أي توتر في المنطقة لن يفيدنا، وأن مَن يلعب بالنار سوف يكتوي بها أولًا! وأن الأفعال الشيطانية ليست من صفات سُكان العالم المُتحضّر، وأن تبديدَ الثروات، وممالأة الولايات المتحدة، ونَهْمِ رئيسها، الذي أعلن أكثر من مرة بأن أموال النفط لا بد وأن تعود إلى الولايات المتحدة، تُعطينا مبررات التفكير بأن صراعاً جديداً سوف يطلّ برأسه في المنطقة الهادئة من العالم، ضمن «دبلوماسية التخريب»!. قد لا نبالغ إن تصورنا بأنَّ أهل الخليج سوف يحتاجون إلى مساعدات أُمَمية، وملاذاتٍ آمنة، وأنهم سيموتون «حسرةً» على عدم قدرتهم على التأقلم مع أحداثٍ قد تسرق «الملعقةَ الذهبية» من أفواهِهم، وأرجو أن أكونَ مُخطئًا!. [email protected]