18 سبتمبر 2025

تسجيل

النتائج الاجتماعية واللاإنسانية للحصار ضد قطر

19 يونيو 2017

تنوعت النتائج الاجتماعية والإنسانية للحظر الذي تم فرضه على دولة قطر منذ الخامس من شهر يونية 2017، وما زالت القضايا تتزايد على اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان! ففي الوقت الذي ارتبكت فيه حياة بعض المواطنين نتيجة قطع علاقاتهم مع ذويهم في الدول الشقيقة الثلاث التي فرضت الحظر، وهي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، فإن ضغط الأخبار غير الدقيقة والمغالطات على المواطنين العاديين، وكثرة إلحاق التُهم الجزافية ضد قطر وإنجازاتها، قد ألقى بظلاله القائمة على العلاقات الأسرية من ناحية الرفض والتوجس والتركيز فقط على موضوع الحظر وتداعياته، الأمر الذي قضى على المساحات المتخصصة للأحاديث الاجتماعية وتلك المتعلقة بشؤون الأسرة، ناهيك عن بعض التدابير المالية التي حتّمها وجودُ الحظر. كما حصلت بعض حالات طلاق بين المواطنين الخليجيين والمواطنات الخليجيات اللاتي خِفن البقاء في قطر نتيجة الإجراءات التي قامت بها دولهن.وخلال الأسبوع الماضي أفاد تقريرٌ للجنة الوطنية لحقوق الإنسان بتعرض 13314 مواطنًا وخليجيًا جراء قطع العلاقات مع دولة قطر من قبل الدول الثلاث وإقامة الحظر الجوي والبري عليها، ناهيك عن عدم تشغيل الخطوط القطرية وخطوط البلدان الثلاثة المقاطعة من وإلى الدوحة. وهذا ما عرقل الكثير من تنقلات المواطنين وحركة البضائع التي أيضًا يستفيد منها مواطنون خليجيون! وأيضًا خسائر واضحة لشركات الطيران في البلدان الثلاثة.كما أشار التقرير إلى تعرّض 1927 قطريًا يقيمون في الدول الثلاث للضرر المباشر. ولقد سمعنا عن قصص كثيرة لا مجال لذكرها هنا. وهذا الأرقام تنذر بكارثة إنسانية تحدث لأول مرة في منطقة الخليج، تقترب قليلًا مما حدث في أغسطس 1990 عندما غزا العراق دولة الكويت. كما أن وقف التعاملات البريدية من قبل الدول الثلاث مع دولة قطر خرق لدستور الاتحاد البريدي العالمي، وإرباك لحياة عشرات الآلاف من المواطنين والمؤسسات. ناهيك عن حرمان القطريين عن حق ممارسة الشعائر الدينية في مكة والمدينة، وهذا لا يجوز شرعًا ولا إنسانيًا.ومع نشر هذا المقال ستكون الأرقام قد ارتفعت والمعاناة قد اتسعت، حيث إن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تستلم يوميًا أكثر من 50 شكوى حقوقية تتعلق بالحظر المفروض على دولة قطر، ناهيك عن القلق النفسي لدى بعض المقيمين والمقيمات من أبناء الدول الثلاث، والذين أصبحوا يعانون ويلمسون آثار الحصار غير المُبرر على دولة قطر، وهم يمارسون أعمالهم مع نظرائهم القطريين في الدوائر والمؤسسات، خجلون مما صدر عن دولهم ضد دولة قطر.ولقد أشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد زيد بن رعد الحسين، إلى "أن التدابير التي تم اتخاذها واسعة بشكل مفرط في نطاقها وتنفيذها وتعرقل بشكل خطير حياة الآلاف من النساء والأطفال والرجال، فقط لأنهم ينتمون لإحدى جنسيات الدول المعنية في النزاع". واعتبر الإجراءات المتعلقة بمعالجة الاحتياجات الإنسانية للعائلات التي لديها جنسيات مشتركة، غير فعالة بما فيه الكفاية لمعالجة جميع الحالات. كما أبدى المسؤول الأممي انزعاجه من التهديدات بسجن وتغريم كل من يتعاطف مع دولة قطر أو يعارض إجراءات حكومته، مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات "انتهاك واضح لحق حرية التعبير".واستتباعًا لذات الموضوع، أدانت (هيومن رايتس ووتش) الإجراءات التي اتخذتها الدول الخليجية الثلاث "بحجب وسائل إعلام لها صلة بدولة قطر، أو تُعتبر متعاطفة معها، ووصفتها بأنها انتهاك وصفعة لحرية التعبير"، وأشارت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة إلى "أن للأفراد الحق في التعبير عن مختلف الآراء بشأن الأحداث الجارية، ولا يحق للحكومات إغلاق المنافذ الإعلامية، وتجريم التعبير بقصد إخماد الانتقادات التي تعتبرها مزعجة"!ولقد أشار بيان للجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر إلى بعض الأرقام التي تثبت واقع الارتباك الاجتماعي الذي حصل بين المواطنين الخليجيين المقيمين في دولة قطر جرّاء الإجراءات التي قامت بها دولهم مؤخرًا، فقد أشار البيان إلى الآتي: تضرر الطلبة الخليجيين المسجلين في جامعة قطر، 33% بحرينيون – 59 % سعوديون – 8% إمارتيون. كما يوجد 4600 طالب خليجي مسجلون في المدارس الحكومية بدولة قطر. ولقد راعت جامعة قطر ظروف طلبتها الخليجيين واتخذت إجراءات تكفل راحتهم فيما يتعلق بالامتحانات.كما نتج عن الإجراءات التي اتخذتها الدول الثلاث انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان مسّت الآتي:الحق في حرية التنقل، الحق في التعليم، الإبعاد القسري، الحق في ممارسة الشعائر الدينية، الحق في حرية التعبير، الحق في الصحة، الحق في لم شمل الأسرة، الحق في العمل. ولقد تضرر أكثر من 37 ألفًا من القطريين الذين يمتلكون 40% من الأراضي الزراعية في المنطقة الشرقية، وغادروا بيوتهم ومزارعهم خلال يوم واحد.وفيما يتعلق بالانتهاكات المتعلقة بحق العمل، فقد شملت الآتي: 1053 مواطنًا سعوديًا، 830 مواطنًا بحرينيًا، 71 مواطنًا إماراتيًا جلّهم في القطاع الخاص.كما مسّت تلك الإجراءات الأسر المختلطة، كالتالي:3694 سعوديا وسعودية – 1345 بحرينيا وبحرينية – 1435 إماراتيا وإماراتية.أما الإعلاميون المتضررون من الإجراءات المذكورة من مواطني الدول الثلاث المقيمين في دولة قطر فهم: 93 إعلاميا تُمارس عليهم الضغوطات لترك أعمالهم، و10 إعلاميين أُجبروا على تقديم استقالاتهم، وقد يكبر العدد مع الأيام.(أليس هذا قطعا للأرزاق؟)أما العقوبات المفروضة من الدول الثلاث على "جريمة" التعاطف مع دولة قطر، فهي: في المملكة: السجن مدة لا تزيد عن 5 أعوام وغرامة لا تزيد على 3 ملايين ريال.في الإمارات: السجن لمدة 15 عامًا وغرامة لا تزيد على 500 ألف درهم.في البحرين: السجن مدة لا تزيد عن 5 أعوام وغرامة مالية.وهنالك انتهاكات تتعلق بالحق في التنقل والإقامة والملكية والعمل، وكل تلك الانتهاكات تتناقض مع النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومع ميثاق الجامعة العربية، ومع ميثاق الأمم المتحدة، بل وتتناقض مع مبادئ الدين الحنيف في المقام الأول. ناهيك عن موضوع القربى والجوار والتاريخ المشترك.ولعلنا هنا نشير إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1966، خصوصا المواد: الأولى من القسم الأول – الثانية من القسم الثاني – الرابعة من القسم الثاني – السادسة من القسم الثالث – السادسة من القسم الثالث – الثانية عشرة من القسم الثالث.وكل ما تم اتخاذه من الدول الثلاث يتعارض مع نصوص تلك المواد المتوافق عليها دوليًا.إن أهل الخليج يعيشون اليوم حقيقة المأساة التي تضرر منها بيتان من كل ثلاثة بيوت في دول الخليج، ولا بد من عودة العقل، وفرز الأمور، وعدم الزجِّ بالشعوب في الاختلافات السياسية، لأن السياسة متحولة، وظروفها متقلبة، وليس لها وجهٌ واحد، ولكن العلاقات الاجتماعية بين شعوب المجلس إن تضررت، ودخلت فيها "النعرات" الاجتماعية، والسِباب، والقذف، ولغة الكراهية، والنزعات الشوفينية، فلسوف يصعُب حلها. وفي هذا نقول إن النُصب الذي تمت إزالته في الدوحة بقصد عمل إشارات ضوئية ليس نُصبَ مجلس التعاون – كما تداوله بعض قصار النظر في وسائل التواصل – بل إنه نصب للرياضة.كما نأمل من المتعاملين مع أدوات التواصل الاجتماعي وأيضًا القلم، حُسن استخدام هذه الأدوات وتلك الأقلام، وعدم الترويج لحالات الكذب والتزوير والإشاعات، ما يُمكن أن يفاقم الأزمة التي تعانيها المنطقة.كما أن المنطق يُلزمنا أن نكون مع الحق، مهما كان مُرًا، وأن نحترم آراء الشعوب، التي ظلت دهورًا تساند الأنظمة، وتعترف بشرعيتها، وأن كل حظر أو تضييق على هذه الشعوب، سواء بالقوانين الجائرة التي تحط من قدر هذه الشعوب، أو بالأعمال والإجراءات التي تربك حياة المواطنين في المنطقة، لن يؤدي إلا إلى المزيد من الارتباك وتعريض المنطقة وشعوبها لحالات هم بعيدون عنها ولا يتمنون أن يكونوا فيها.فهل يعتبرون قبل فوات الأوان. اللهم اهْدِهم سواء السبيل.* ورد في مقال الأسبوع الماضي تاريخا (1790) و(1878)، والصواب 1790 ق.م و1878 ق.م. وللأمانة الأدبية وجب التنويه.