12 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ سنوات وفي إحدى سفراتي القصيرة، التقيت صدفةً بأحد الأصدقاء في الطائرة وكان كرسيه بجانبي فتجاذبنا أطراف الحديث كما هي العادة عندما نلتقي بالأصدقاء في مثل هذه الظروف، وبعد طقوس السلام والتحية، سألته بدايةً عن أحوال الوزارة التي يعمل بها بعد قرار تحويلها إلى مؤسسة مستقلة؟ - فقال: بعد مرور أكثر من عامين على ذلك القرار ما زلنا نسير ببطء، رغم تكليف استشاري عالمي للقيام بعملية التحويل وتدريب العاملين في الوزارة على الإجراءات الجديدة، ولكن للأسف ما زلنا ندير الأمور بنفس الطريقة القديمة. - قلت: ماذا تقصد؟ - قال: يفترض أن يكون القطاع المؤسسي أكثر كفاءة في إنجاز الأعمال المناطة به من القطاع الحكومي، وذلك من حيث استقلالية القرار وانحسار البيروقراطية، بالإضافة إلى فرص تمكين الإدارة الوسطى وتفويضها للقيام بمسؤولياتها، دون الرجوع إلى الإدارة العليا، في حين يتسم القطاع الحكومي غالبا بالمركزية والصلاحيات المحدودة، ولكن هذا ما لم يحدث حتى الآن. - قلت: هل تتحدث عن ثقافة مؤسسية؟ - قال: نعم ثقافة مؤسسية لا تقف عند حدود تغيير الهيكل التنظيمي والمسميات والأوراق والأختام أو زيادة الرواتب والأجور، يجب أن تكون هناك رؤية واضحة وأهداف محددة وخطة إستراتيجية ومؤشرات أداء تعكس كفاءة عمل الإدارة التنفيذية بعيدًا عن الارتجالية، ثقافة تستمد قيمها من المفهوم الإيجابي لدورنا في المجتمع ونظرتنا للعمل. - قلت متعجبًا: نظرتنا للعمل! لقد ذكرتني بمقالٍ قرأته منذ مدة عن عامل نظافة يعمل في وكالة ناسا، عندما سئل عن ماهية عمله في هذه المؤسسة التي تعد من أكبر المؤسسات العلمية في العالم، قال أنا هنا لأسهم في إطلاق الصواريخ إلى الفضاء، هل هذه النظرة للعمل التي تقصدها؟ - قال: فعلًا هكذا يرى هذا العامل البسيط أهمية دوره، لذلك نما عنده شعور عميق بقيمة العمل الذي يقوم به ودافع قوي للمثابرة والإخلاص وإتقان العمل، لكن إذا لم يكن هناك قناعة في ضرورة التغيير ولم تكن هناك عزيمة لدى الجميع فلن نصل إلى الهدف المنشود. - قلت: إذًا أمامك طريق طويل حتى يتحقق كل ذلك. - قال: نعم طريق طويل نقطعه بالعزيمة والإخلاص والتعاون مع من يشاركوننا المسؤولية لتغيير هذا الواقع، فالوطن يستحق منا الأفضل، هنا انقطع حوارنا مع إعلان كابتن الطائرة بداية الهبوط التدريجي إلى وجهتنا المنشودة. كانت رحلة قصيرة إلى الماضي القريب استحضرتها وأنا أتابع أخبار إنجازات تلك الوزارة التي كانت مثقلة بالبيروقراطية ثم استطاعت أن تحقق مشروع التحول إلى مؤسسة رائدة ذات كفاءة عالية، كل ذلك بفضل جهود ومثابرة أبنائها المخلصين. إلى اللقاء