11 سبتمبر 2025

تسجيل

التجريد والخلق

19 أبريل 2023

كل الأشياء مجردة، والعين هي من تخلقها. كتبت هذه العبارة في سبتمبر 2019، أتذكر هذا التاريخ؛ لأني أتذكر المشهد الذي كتبتها على إلهامه، نعم، أتذكره جيدا؛ ذلك الصباح الخريفي. ما قصدته في هذه العبارة؛ أن قيمة الشيء، أي شيء، صفر، فالشيء مجرد من أية قيمة، كما هو مجرد من التوصيف بماديته التي يتشكل بها، والعين هي من تخلق هيئته المادية، ومن ثم تخلق قيمته المنوطة بماديته. فالاختلاف بين الأشياء ليس اختلافا بين ذواتها المجردة، بل بين الأعين التي تنظر لها، فشكل الزهرة الصفراء التي أراها بعيني، ليس بالضرورة، البتة، يكون كشكلها الذي ترنوه بعينك، ولا أحد منا يعلم كيف يراها الآخر، إلا لو كان هو؛ لذلك فالأشياء مغلقة على نفسها، الأشياء مجردة، واللحظة التي تُخلق بها؛ هي اللحظة التي تراها العين، وكيفما رأتها خلقتها، فكان شكلها في عقل الإنسان، الذي أوحى إلى العين كيف تخلقها. إن الشيء لا يكتسب قيمته ما لم ترنُ إليه العين؛ فهو مجرد من ماديته، حتى تخلقه بالمادية التي تراها، كما هو مجرد من قيمته، حتى تعطيه إياها استنادا الى المادية التي خلقتها، إن الأشياء في معزل تجريدي ما لم تخلق العين وجودها، فارتباط الأشياء بقيمتها، هو منسوب إلى قيمتها في عقل الإنسان الذي حدده بالنظر إليها في عينيه، فكانت قيمتها في عقله؛ الذي خلق قيمتها في الوجود. ومما يعول على ذلك؛ هو اختلاف الأذواق بين الناس، وعلى ذلك جاء المثل «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع» نلحظ في العبارة أن بوار السلع منوط باختلاف الأذواق، ليس بالسلع ذاتها؛ لأن العين هي من خلقت مادية هذه السلعة المجردة، فأعطتها الرفض أو القبول بناء على ماديتها التي خلقتها بها بعد التجريد. أمثل على ذلك بالحلي والثياب والديكورات، فالاختلاف بين تصاميم المنازل؛ هو اختلاف بين الأعين التي خلقت تلك التصاميم. وأيضا مما يعول على ذلك؛ اختلاف نسبية الجمال بين الناس، ولذلك تجد امرأً يراه أحدهم وسيما، بينما يراها الآخر عادياً. بل سأذهب لأبعد من المادية، وأقول إن مما يعول على ذلك أيضا؛ هو اختلاف الميول على الصعيد الغنائي، ومثله على صعيد الطعام؛ وذلك كله؛ لأن عقل الإنسان يتشكل من وعي تراكمي من إيديولوجيات متعددة في حياته، جعلت من عينه تخلق الماديات بالهيئة التي خلقتها عليها، وجعلت إحساسه يتقبل ذلك ويرفض ذاك. وهذا أيضا يفسر الانتماءات، والهويات، من تبني الأفكار، وسلك المذاهب، على أصعدة متعددة المشارب؛ من الأكاديمية والفنية والاجتماعية وحتى السياسية. إن ما يثير فضولي؛ هو الشكل الحقيقي للأشياء، فما تخلقه العين هو شكل زائف منوط بعقلية الإنسان الإيديولوجية، لكن شكلها الحقيقي، المجرد، نحن لا نعرفه؛ فكل الأشياء مجردة، والعين هي من تخلقها.