17 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر بين جواهر فرنسا وإعلامها المدجج

19 أبريل 2013

في الوقت الذي احتشدت فيه آداب بلد أمّ الثورات في القرن الثامن عشر وملهمة شعوب العالم والمنادية بالحقوق المدنية من أفواه الجياع وسط رائحة الخبز التي زكمت أنوف نبلاء الكرواسون فأردتهم مقصلة التاريخ.. تفجّر لنا إعلامها باختلافات بل هي تناقضات في وصف الحريات المدنية في العالم العربي بوصفها بالمفتعلة أو المؤدلجة.. فمنذ فترة والصحف الفرنسية تشن حملة شعواء على دولة قطر متندرة باسثماراتها في فرنسا وسياستها ودبلوماسيتها الدولية ولمزها باحتضان قناة الجزيرة، وآخرها العنوان الذي تصدر غلاف "ماريان" التي حذت حذو" لبراسيون" في تحقيق مناهض يحمّل استثمارات قطر غرضا مبيتا هو نشر "الوهابية" حتى غدا "الإسلاموفوبيا" بعبعا حسب ما ورد في تقرير مونت كارلو الصحفي في نشرة الأمس. حقيقةً... لم يسلم لا الاقتصاد ولا السياسة ولا الإعلام في قطر من أبعاد المدّ الإعلامي الفرنسي.. خصوصا في علمٍ وعالمٍ يعتبر الأول محرك الثاني والثاني محرك الثالث. للحديث عن بُعد الاقتصاد.. تصفحت "الانستغرام" يوم السبت 20 ابريل الجاري فإذا بي أجد أحد الحسابات وقد نشر صورة لغلاف مجلة Courrierinternational بصورة لسمو الأمير لست ازكي ما نشر فيها لأنني شممت من الصورة المستخدمة في الغلاف رائحة التهكم رغم محاولتي الجاهدة وقتها استعادة ذاكرتي البسيطة في الفرنسية لقراءة عناوين الغلاف — التي لا يسمح الانستغرام بتكبيرها — إلا انني لم افلح في تبين إلا النزر اليسير حيث جاء بعنوان: ما الذي تريده قطر؟ عنوان مثير لمجلة ترتجي الشهرة والإثارة، حمل على الاستراتيجية السياسية والمالية لقطر في الاستثمار بكثافة في الترف والرياضة والأراضي الزراعية والقصور والعقارات ودعوى مسميات "دعم الإسلاميين في دول الربيع العربي وفي سوريا من جهة أخرى". غلاف محبوك الى الدرجة التي غدا فيها بعد يومين فقط تحقيقا نشر يوم 22 ابريل في الصفحة الرئيسة وأين؟ في الموقع الالكتروني للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا LE CRIF وهو أعلى مؤسسة يهودية فيها — مثلها مثل نفوذ اللوبي اليهودي الأميركي — الأمر الذي أثار تساؤلات جمّة تثير استغراب المحللين حيث لم يسبق لهذا المجلس أن تعرض لقضايا تتناول علاقات فرنسا الخارجية. المقابلة أجرتها مجلة Courrierinternational بعنوان "قطر بين التهيؤات... والواقع" مع كريستيان شينو، وهو صحافي مختص في شؤون الشرق الاوسط، سبق وأن نشر مع مالبرونو كتاب "قطر: اسرار الخزنة" وردت فيه كثير من المغالطات بالتعاون مع منتفعين عرب "متفرنكين" رأيتهم عن كثب في "أرض الخير" قطر، استخدمهم الكاتبان كمصادر سبق ان استضافتهم قطر بحفاوة وعملوا بها وتنعموا بطيب الاقامة والتقدير وحسن المعشر، قبل ان يقرروا الانتقال للعمل في فرنسا والنكاية بقطر فيما ورد من استشهادات عن ممارسة قطر "دور الابتزاز في أروقة الجامعة العربية" عند الحديث عن موضوع تمثيل المعارضة السورية. المقابلة تناولت ما يدور في الصحف الفرنسية من وصف قطر بـ "الانتهاز" وبـ "كائن غريب يدخل إلى عالمنا" وعناوين مثيرة سابقة مثل "قطر تشتري فرنسا"، و"قطر تريد أسلمة الضواحي". الغريب ان الناطقين باسم فرنسا في ثورة مضادة على استثمارات قطر نسوا او بالأحرى تناسوا عمدا أنهم من دعوا الدول الخليجية ومنها قطر للاستثمار فيها، والتناقض ان صحافتهم — وأورده هنا لمن فاته تحليل خطابها — نشرت خبرا قبل اسبوع واحد فقط من هذا الحوار وذلك يوم 14 ابريل الجاري في صحيفة ليبراسيون Liberation الفرنسية ايضا دعوة اطلقها وزير مالية فرنسا "تعبيرا عن رغبة بلاده في استثمارات سعودية". فرنسا تتطلع بل تتحرق شوقا للاستثمارات الخليجية في ظروف اقتصادية قاهرة، إذاً ما سر هذا التناقض والفجاجة الإعلامية على دولة بذاتها خصوصا وان ضيف الحوار في مجلة كورير انترانشيونال ذكر في أحد الردود للمجلة ذاتها: "إن استثمارات إمارتين خليجيتين كبيرة في فرنسا ولكن تعد استثمارات الإمارات في فرنسا أكثر من قطر.. وقطر اكثر منها في انجلترا". بل واعتبرت مجلة لوباريزيان في ذات الموضوع — الاستثمارات — أن (إمارة — الإمارات — أكثر تكتماً من جارتها، وأكثر ثراءً أيضاً). إذا... هل الهجوم على قطر هنا هجوم على مبدأ الاستثمار في فرنسا بشكل عام؟ ام هو هجوم منظم على قطر وحدها؟ خصوصا وأن مخاوف الفرنسيين من الاستثمار تنبع — على حد تعبير المحاور — من انه (يدخل في رأسمال أهم الشركات التي يعتبرها الفرنسيون ذات قيمة رمزية كبيرة وكأنها جواهر أسرية) إذن هل يخاف الفرنسيون على جواهرهم التي توسلوا لتدفق الاستثمار لإنقاذها أم هي فوبيا من قطر؟ أذكِر هنا الصحف الفرنسية بمقولة ليست لنا بل لخبير مالي بريطاني جاءت في مقال حمل عنوان "التنافس على أموال قطر"لموقع "BBC News" آخر مارس الماضي، من انّ "الجميع يريد حصة من قطر" و"أن الشركات الأجنبية جميعها تتلهف على عقود في قطر". ونسأل نحن هنا: كم حصة مالية استثمارية طلبتها فرنسا منا لترجمنا بها حجارةً؟ وما الذي غير مجرى المياه؟ إن هذا وذاك يطرح أهمية مقولة عند العرب قد تعيد اولويات سياسة الشفافية الإعلامية في شؤون الاقتصاد المنتهجة في قطر دون غيرها من الدول الشقيقة مفادها "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" وكما يقول اخواننا المصريون "داري على شمعتك تقيد". السؤال الوحيد الذي بدا واقعيا ومنطقيا من المجلة هو: عما إذا كانت عمليات الشراء هذه تخضع لاستراتيجية مالية ذكية؟ واعتقد ان هذا السؤال يهمنا في قطر اكثر مما يهم أي صحفي في فرنسا حتى لو كان صندوقا سياديا للدولة خصوصا وان رد ضيف حوار المجلة وفق عدد من الردود السلبية والإيجابية أورد أمرين أثار فيهما انتباه الفرنسيين: أولا: "ضرورة تجنب التهيؤات حول قطر وعدم شيطنتها، بل يجب أن توضع قطر في موضعها، لأنها تمثل مستثمراً هاماً بالنسبة لفرنسا". ثانيا: "رؤية قطر الوطنية 2030" لتنويع الاقتصاد، معتبراً انها استراتيجية حددها الأمير، موجهة للأهالي المحليين في قطر، وكأن الأمير يريد أن يقول لهم "لسنا نشتري مظاهر طنانة فقط، ولكننا نهتم أيضاً بأبنائهم وبالأجيال القادمة، ولا نريد أن يكونوا رهينة لعائدات الغاز والنفط، ولكننا نقوم بتنويع مصادر الثروة". كنت أتمنى مهنيا أن يصبغ الحوار داخل المجلة صورة الغلاف والعناوين خارجها ما دام يحوى مثل هذا الرد السابق، لتكون على الأقل أقرب إلى الإعلام وأدق تعبيرا عن فحوى الطرح الذي بدا فيه التندر بمدى مناسبة ما اسمته في العنوان "تهيؤات قطر" لحجم واقعها في غمز كالعادة بالحجم والمساحة الجغرافية. وأخيرا الصحف الفرنسية المدجّجة تتهم قطر بالأسلمة أيديولوجيا وبالجزيرة ذراعا أي تهمة تسييس الإعلام، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي حرك كل هذه الهجمة الإعلامية الفرنسية على قطر وفي ذات الوقت؟ بل وحتى مجالس اللوبيات "اليهودية" فيها؟ أحياد سياسي ام حياد إعلامي أم إعلام مسيّس؟ وحتى يكتمل الطرح في المقال القادم نراهن على قول المتنبي في المقاسات أيضا: وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا... وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ وإذا كانت النفوس كبارا... تعبت في مرادها الأجسامُ يتبع الأسبوع القادم..