17 سبتمبر 2025
تسجيلإذا أردتم أن تعرفوا كيف تبنى من الموت الحياة... فانظروا في وفاة الدكتور ربيعة «رحمه الله». حزنت قطر رجالها ونساؤها وشبابها على بغتة غيّبت عنها أخا وأستاذا ومفكرا فاضلا حتّى أمّ طلاّب الدكتور ربيعة «رحمه الله» بيته للمشاركة في الصلاة والجنازة المهيبة، هنا تذكرّت مقولة الإمام الغزالي الذي لا زال يذكّرنا بأن التعليم هو أشرف المهن بعد النبوّة حيث إنه بناء وإرث يمتد، ولا زلنا نذكّر أنفسنا بأنّ بابا عظيما من الصدقة الجارية إنما هو في علم ينتفع به. لكلّ أمرئ من اسمه نصيب ... قد لا تصدُق هذه المقولة على الكثيرين ولكنها جاءت لتحكي صدق تسمية على عالم صدوق حسن الشمائل أحيا ربيعا فأي ربيع وأي صباح؟ د. ربيعة الطالب عندما افتتح قسم الإعلام المزدوج في جامعة قطر في البنين وجدته الجامعة طالبا شغوفا بالعلم الجديد في الوقت الذي بدا اهتمام شباب قطر بالإعلام في ذلك الوقت ضعيفا وسط موجة تهميش العلوم الإنسانية وتقديس الهندسة والطب لدى العرب، فكان من رعيل الدارسين الأول الذين واصلوا دراساتهم العليا فيه ليخدموا قطر. د. ربيعة الأستاذ عندما افتتح قسم الإعلام للبنات وجدته الجامعة أول فوج أساتذته. وعندما عدت بالماجستير كان لي شرف الزمالة معه في تدريس الإعلام واللجنة الثقافية للكليّة والإرشاد الأكاديمي، لن أنسى ذلك العدد المهول الذي كان يسجّل في مجموعات مقرراته وكلكم يعلم التناسب التصاعدي لعدد الطلاّب مع رصيد محبّة الأستاذ، ومهنيّا.. المزيد من الطلاب، يعني المزيد من العمل، والذي كان يتلقاه بصدر رحب دون كلل في الوقت الذي كان فيه شغوفا بالتأليف وإشراك طلابه في مهارات عمليّة وبحثيّة ميدانيّة ربما لا يقوم بها طلاّب اليوم. د. ربيعة الأخ والزميل في الإرشاد الأكاديمي لاحظنا زيادة انخراط الطالبات في مجال الإعلام برغبة وحبّ في التخصص ولكن اعتراه الخوف المجتمعي الذي كان ينعت المتخصصات في الإعلام بالمتحرّرات في ظلم اجتماعي على المرأة وقصور في معرفة قيمة وأهميّة الإعلام، كنّا فرحين بالعدد حتّى جاء موعد الحذف والإضافة لأجد عددا يحذف لا مقرر بل التخصص برمّته أي تغيير التخصص فرفضت ووقفت لإقناعهن يوم أن علمت أنّ الأسباب لا تعود لهنّ بل لضغط اجتماعي مورس عليهن، وكنت أعلم شعورهن حيث أصابني ما أصابهن! الفرق أنهم واجهوه من أسرتهم الصغيرة بينما واجهته أنا من مجتمع أكبر كاد أن يجعل دراسة المرأة للإعلام فسقا. هنا التفَتُّ الى الدكتور ربيعة رحمه الله وقلت له: « الإعلام جهاد المرأة القطريّة» هل أجدك معي نصيرا في اللجنة الثقافية ومجلس القسم لتدعم إقامة ندوة نشجع فيها الطالبات ونوّعي فيها المجتمع المغلق وقتها حول أهمية الإعلام. فكان خير نصير وعقدنا الندوة بحضور قامات إعلامية من مختلف قطاعات الإعلام تتقدم النماذج ملكة الشاشة «خديجة بن قنّة»، ففاق الحضور الوصف ونجحنا مع إخوتنا من أساتذة عرب في تثبيت دعائم التخصص. فقدّم قسم الإعلام في البنات في جامعة قطر للدولة رصيدا ثريّا هو من يعمل الآن في مختلف مؤسسات الدولة. د. ربيعة الكاتب والمثقف: لن أكتب عن الكتب والمؤلفات الكثيرة الثقافية والإعلامية فهي معروفة، ولكن لأن العلم صدقة جارية لا تنتهي أذكر أخي الإعلامي صباح بكتاب أخير كان قد اجتهد الدكتور ربيعة «رحمه الله» على جمع مادته من عوائل قطر بتدوين سير آبائهم من الرعيل الأول من رجال الغوص وصيد اللؤلؤ وقطاع النفط والتعليم في بداياته ليضمّنه تاريخ سير غنيّة في كتاب سيحمل عنوان (رجالات قطر) والذي ما فتئ يعكف عليه حتّى باغته الموت. نشره اليوم أمانة في أعناق أبنائه فالله تعالي يقول: «يخرج الحيّ من الميّت» أو ليس أجمل من أن يجد الإنسان كتابا هو مولود جديد، أخ من رائحة أبيه وفخر ورصيد فكري لقطر.