19 سبتمبر 2025

تسجيل

تحويلات المقيمين .. ثروة مهدرة!

19 مارس 2023

تساهم فرص العمل القوية وعدم فرض ضريبة على الدخل والاستقرار السياسي والاقتصادي في جعل قطر دولة جذابة للعمال الوافدين. فهل يمكن اتخاذ المزيد من الإجراءات لتشجيعهم على الاستثمار داخل قطر؟ تطور الاقتصاد القطري بشكل قوي خلال العقود الأخيرة، ولم يكن بمقدور دولة قطر أن تفعل ذلك بدون المساهمة الكبيرة من العمال الوافدين، سواء من الموظفين الإداريين أو العمال، لإنشاء البنية التحتية والحفاظ على الصناعات والخدمات في البلاد وتنميتها. وقد ارتفعت أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة الماضية، بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وكان لهذا الارتفاع تداعيات كبيرة على دول الخليج والوافدين، حيث تتمتع المنطقة باقتصاديات وعملات قوية مرتبطة بالدولار. ولهذا السبب، صب ارتفاع سعر الصرف في العديد من البلدان الأصلية للوافدين في مصلحتهم، وإن كان هذا الارتفاع يترك تداعيات سلبية على عائلاتهم المقيمة في أوطانهم. وعندما يكون هناك إعادة تقييم لأسعار العملات في بلدان الوافدين، يكون هناك حافز لتحويل المزيد من الأموال للاستفادة منها. ومع ذلك، انخفض سعر العملة بشكل كبير في بعض الدول، وأُدخلت ضوابط على حركة رؤوس المال إلى جانب فرض قيود على عمليات السحب المصرفية بالدولار، لذا بات من المنطقي بشكل أكبر للوافدين الاحتفاظ بالمزيد من الأموال في قطر، وتحويل مبالغ أصغر. وتبلغ نسبة الوافدين في قطر أكثر من 85٪ من تعداد السكان، وقد تجاوزت المبالغ التي يحولونها 40 مليار ريال قطري (11 مليار دولار) سنويًا خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما مثَّل 6.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر في عام 2021، وفقًا لأرقام البنك الدولي. وقدرت بعض المصادر الأخرى المبالغ المحولة برقم أعلى. وقد انخفضت مبالغ التحويلات خلال فترة انتشار جائحة كوفيد-19، لكن المؤشرات تشير إلى أنها آخذة في الارتفاع منذ ذلك الحين. ويحول العديد من الأفراد الأموال لإعالة أسرهم والاستثمار في العقارات في أوطانهم. ومع ذلك، يحتفظ الكثيرون أيضًا بمدخراتهم في بلدانهم الأصلية، ويقومون باستثمارات هناك. ويثير ذلك مسألة ما إذا كان بإمكان المؤسسات القطرية اتخاذ المزيد من الإجراءات لتشجيع الاستثمار داخل البلاد، للاحتفاظ بالمزيد من الثروة المكتسبة هنا، والمحافظة على احتياطي النقد الأجنبي. وتنتمي شريحة جيدة من الوافدين إلى فئات الدخل المتوسط والعالي. ويمكن لهذه السياسة أن تشجع الاستثمار في السوق القطري، بما في ذلك الشركات الناشئة وبورصة قطر. وقد كان التركيز منصبًا خلال السنوات القليلة الماضية على تشجيع الاستثمار القادم من الخارج. ولا يوجد هناك اهتمام مماثل بكيفية الاحتفاظ بالثروة الداخلية المتحققة في البلاد. وهناك مبادرات أطلقتها وزارة التجارة، Invest Qatar، ومركز قطر للمال، وبنك قطر للتنمية، وهيئة المناطق الحرة في قطر، وبورصة قطر وغيرها من الجهات لتعزيز الاستثمار في قطر. وتستهدف هذه المبادرات بشكل أساسي الاستثمارات الخارجية القادمة إلى البلاد، ولا يبدو أن هناك استراتيجية مركزية شاملة بين هذه الجهات، وهو ما يعني وجود تداخلات وازدواجية. ومن التدابير الواضحة للاحتفاظ بالمزيد من رؤوس الأموال داخل البلاد تعزيز الحوافز المقدمة لتملك العقارات. ويتمتع المقيمون غير القطريين بحرية شراء المنازل في الدولة في عدد من المناطق المحددة. وبالنظر إلى أن العديد من الوافدين يقيمون في قطر لمدة خمس سنوات أو أكثر، فإن هذا أمر منطقي ويحقق فوائد متبادلة، حيث يكتسب المقيم أصولاً ويشعر بالاستقرار، بينما تستفيد دولة قطر من كونه سيستثمر بشكل أكبر داخل البلاد، ومن المرجح أن يلحق أطفاله بالمدارس أو الجامعات المحلية، وأن ينفق أو يستثمر دخله ومدخراته بطرق تعود بالنفع على الاقتصاد القطري. ويمكن للهيئات التنظيمية والبنوك الوطنية التأكد من سهولة الحصول على الرهون العقارية للوافدين، وهو ما يشجع على تملك العقارات ويؤدي بالتالي إلى تشجيع المقيمين على تعزيز استثماراتهم في قطر. ويمكن أن تكون تأشيرة المستثمر، التي تغطي عقارًا واحدًا للاستخدام الشخصي أو استثمارات أخرى جذابةً وذات منفعة متبادلة. ويمكن السماح للوافدين الحاصلين على تأشيرة مستثمر والذين يمتلكون عقارًا بالبقاء والعمل دون الحاجة إلى كفالة من أصحاب العمل، وهو ما سيشجعهم على البقاء والاستثمار في الدولة. وينبغي صياغة سياسة واضحة موحدة تشمل جميع الأطراف المعنية وتنفيذها على المستوى الوطني. ويمثل امتلاك الأسهم خيارًا آخر للوافدين، حيث تتميز سوق الأوراق المالية في قطر بالنضج، وتضم شركات تتمتع بأرباح وآفاق قوية. وهناك سيولة عالية، لذلك يبدو من السهل دخول السوق والخروج منها. ومع ذلك، يمكن تبسيط عملية إنشاء الحسابات للاستثمار في الأسهم. ويجب تحسين عملية فتح الحساب عبر الإنترنت، مع مراعاة المتطلبات واللوائح اللازمة. وهناك العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة لمقيمين غير قطريين، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر في بعض الحالات. وتنفذ الحكومة إصلاحات لتوفير المزيد من الشفافية حول المالك المستفيد الحقيقي. ويجب إعادة استثمار الأرباح الناتجة من هذه الشركات داخل قطر بدلاً من تحويلها إلى الخارج من قبل الملاك المقيمين. وسوف تساعد المزيد من الاستثمارات، بما في ذلك في الشركات الناشئة، على تحقيق النمو الاقتصادي في البلاد، واستقطاب رواد الأعمال الأذكياء، مع تحقيق نمو كبير محتمل في القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية. استقرار الاجانب واستثماراهم في قطر سيخلق ثروات جديدة للمواطنين من خلال رفع قيمة الاصول الموجودة وايجاد فرص جديدة لخلق الثروة للأجيال القادمة في قطر. توفر قطر ملاذًا آمنًا وفرصًا واعدةً لعائدات المستثمرين في وقت تميزت فيه العديد من الاقتصادات بتعثرات البنوك وانخفاض العملات وضوابط حركة رؤوس المال. إن تحويل نسبة كبيرة من الثروات المتحققة في قطر إلى الخارج أمر مثير للقلق ويجب معالجته على أعلى المستويات الحكومية، لأنه يمثل فرصةً واعدةً لنمو الاقتصاد القطري وللحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي.