17 سبتمبر 2025

تسجيل

كورونا يعيد تشكيل وعي المجتمع

19 مارس 2020

انغمس مجتمعنا بشكل غير واع في ممارسات اجتماعية تتضخم يوماً بعد آخر، حفلات الزواج، بذخ الولائم، حتى في اللقاء لم تعد البساطة سيدة الموقف، أصبح هناك نوع من الاحتفاء المبالغ فيه والتصنع الواضح، أصبحنا مجتمعا زائفا غير ذلك الذي كان يعيشه الآباء والأجداد. في دعوات الزواج أستلم بطاقات لأناس قد توفاهم الله ورحلوا عن دنيانا، لا الداعي يعرفهم ولا المعرس يتذكرهم، المهم "ليستة" الاسماء لكل عائلة وقبيلة، هنا يتحول الانسان الى شيء يُستدعى، لأن الوضع الاجتماعي يحتم ذلك، خلال الاسبوعين الحاليين عندي العديد من بطاقات حضور لزواجات العديد من أهل قطر، وعندي العشرات لآخرين من الاهل كان عليّ أن أقوم بتوزيعها، حيث إنني مدعو وموزع في نفس الوقت. البعض منهم قد رحل من دنيانا كما قلت، يأتي الشخص محملاً بمئات من الدعوات ويلقيها في المجلس، وعليك انت صاحب المجلس أن تقوم بتوزيعها هكذا وبكل سهولة التعامل مع الأشياء، وقس على ذلك الكثير من عاداتنا المتضخمة نتيجة الوفرة المادية وتلاشي العلاقات الحقيقية القائمة على البساطة. في الثقافة أيضاً أوجد الحصار ثقافة صوتية "زائدة" طغت على أصحاب المهنة التي يحتاجها المجتمع، والعمل بصمت وانجاز الذي يقدمه هؤلاء الجنود المجهولون، وسط ضجيج حناجر يود المرء لو تصمت، لأنها أعراض مرض وبوادر سقم ونقص اجتماعي، اكتست فوق أصالة المجتمع طبقة هشة ثقافية واجتماعية من الاشخاص والعادات والتقاليد، نسي معها الانسان من أين بدأ، وكيف نشأ، وكيف تحول. أصبحت المادة تتقدم الانسان، والشكل يأتي قبل الجوهر والصوت يسبق الفعل بمراحل، سبحان الله حصار الكورونا الحالي يعيد ترتيب الاوضاع حينما يضع المصير المشترك هو المحدد الوحيد لبقاء الفرد وليس الخلاص الفردي. اليوم يقف الجميع على خط واحد أمام مصيرهم المشترك ليعود المجتمع الى رشده الاجتماعي ووضعه الانساني الحقيقي، الالتزام بالتعاليم على الجميع، المكوث في البيت دعوة للكل، الالتزام بالصحة، عدم التجمع، عدم التكلف في السلام والتقبيل الممجوج، أقم حفلة زواجك داخل بيتك مع أهلك، هذه الثقافة كانت هي الاصل في السابق قبل الطفرة المادية وبروز ثقافة الريع التي أخلت بالتركيبة الاجتماعية أيما خلل. أدعو الله أن يزيل خطر هذا الوباء عن بلدنا وعن سائر بلاد العالم، وأدعوه كذلك أن يلهمنا من أمرنا رشداً، وأن يعود المجتمع الى أصالته وطبيعته التي كان عليها ويكفينا شر التنطع والمتنطعين!. [email protected]