11 سبتمبر 2025
تسجيلمازالت الأزمة الأوكرانية وانعكاساتها الاقتصادية تتصاعد يوماً بعد يوم، وبدأت أمريكا التي تتزعم الموقف الدولي وبرفقتها بعض الدول الأوروبية في التلويح بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب موقفها المتشدد من الأزمة والعمل على تقسيم البلاد وتدخلها العسكري في شبه جزيرة القرم وتشجيع سكانها على إجراء استفتاء شعبي يهدف إلى استقلالها عن أوكرانيا كخطوه تمهيدية للانضمام إلى روسيا والذي أسفرت نتائجه عن رغبة 97% من المصوتين للانضمام للدولة الروسية، خاصة وأنها كانت حتى عام 1954 جزءاً من أراضي الاتحاد السوفيتي السابق حين أهداها الرئيس السوفيتي الأسبق " نيكيتا خروشوف" إلى أوكرانيا والتي كانت أيضا جزءاً من الاتحاد، وذلك بمناسبة مرور 300 عام على انضمامها إلى الاتحاد السوفيتي.وقد بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التركيز على تطبيق العقوبات الاقتصادية التي لا تكون في حاجة إلى موافقات الكونجرس التي تتطلب في المعتاد وقتاً أطول، والذي بدأ اجتماعاته بالفعل لاتخاذ إجراءات وعقوبات أكثر شدة، وإن كانت السلطات الأمريكية تدرك تماما بأن إجراءاتها العقابية المنفردة لن تكون مؤثرة وفعالة بشكل كبير على الاقتصاد الروسي دون التنسيق والاتفاق على عقوبات مشتركة مع الدول الأوروبية.. رغم صعوبة هذه الخطوة التي تحتاج إلى موافقة جماعية من الدول الأعضاء بالاتحاد، في الوقت الذي تتمتع فيه بعض من هذه الدول بعلاقات وثيقة مع الدولة الروسية، ومن بينها بريطانيا التي تستضيف عدداً غير قليل من الأثرياء الروس على أراضيها، وتخشى بالتالي أن يؤثر دعمها الزائد للإجراءات العقابية الأوروبية على روسيا على موقف هؤلاء الأثرياء الروس واستثماراتهم بها.وكان من أهم ثمار نتائج هذا التنسيق الأمريكي الأوروبي هو إيقاف دول مجموعة الثمانية الكبار والتي تضم بجانب روسيا كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان للمباحثات التمهيدية للمجموعة والتي من المقرر عقدها بمدينة سوتشى الروسية في الصيف القادم، مع تأكيد رئيس الوزراء الكندي بأنه في حال عدم تغيير الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية فإن مجموعة السبعة الآخرين سيكونون مستعدين لطردها فورا من المجموعة.كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع بإلغاء زيارة كانت مقررة لبعض مسؤوليها التجاريين إلى روسيا بهدف إبرام معاهدة للاستثمار الثنائي... كما بدأت السلطات الأمريكية بالبحث عن الأموال الخاضعة للرئيس الروسي وحلفائه المقربين وتجميد أرصدتهم، وطالبت بحرمان عدد 18 مسؤولا روسيا من منح تأشيرات دخول إليها واعتبرتها بمثابة قائمة أولية، كما أعلنت عن إعادة النظر في استثمارات شركاتها العاملة في روسيا والتي تقدر بنحو 18 مليار دولار، بالإضافة إلى تبادل تجاري بين البلدين بلغ في عام 2013 حوالي 40 مليار دولار، وإن كان هذا الرقم يبدو ضعيفاً إذا تمت مقارنته مع حجم التبادل التجاري الروسي مع دول الاتحاد الأوروبي الذي بلغ في نفس العام أكثر من 460 مليار دولار.ومن الجدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري الروسي مع دول الاتحاد الأوروبي قد تمثل معظمه في صفقات النفط والغاز واللذين يعدان من أهم مصادر دخل الاقتصاد الروسي، وتعتمد عليهما كلياً دول البلقان، كما تعتمد فرنسا على نحو 25% من احتياجاتها من الغاز على روسيا وتعتمد إيطاليا على حوالي 35% وألمانيا على أكثر من 40% من الغاز الروسي، وفي الوقت نفسه فإن أكثر من 66% من الغاز المصدر من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي يمر عبر الأراضي الأوكرانية.وفي محاولة للتقليل من أهمية الغاز الروسي للدول الأوروبية فقد أكدت المفوضية الأوروبية في بيان لها عن احتفاظ دول الاتحاد الأوروبي بمخزون من الغاز في المدى القصير يكفي 10% من احتياجاتها السنوية، وفيما يخص المدى الأطول فإن هناك دعوات أوروبية لتنوع احتياجات دولها من مصادر الطاقة وتطوير قدراتها على استخدام الغاز الطبيعي المسال الذي يمكن استيراده من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج كبديل عملي فعال في حال خفض إمدادات الغاز الروسي عنها.وفي ضوء التلويح بفرض عقوبات اقتصادية أمريكية وأوروبية على روسيا فقد أعلن بعض المسؤولين الروس بأن بلادهم قد تضطر إزاء هذه العقوبات إلى التخلي عن استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياط، وسوف تؤازرها بالطبع في هذا الأمر دولة كالصين التي تسعى كي تحل عملتها "اليوان" محل الدولار الأمريكي في إبرام الصفقات والتعاملات التجارية العالمية، كما أعلنت كذلك عن التفكير في احتمالية التوقف عن سداد ما عليها من قروض إلى البنوك الأمريكية.وأعلنت السلطات الروسية أنه إذا قامت أمريكا بتجميد حسابات بعض من الشركات والأفراد الروس فإنها ستوصي أصدقاءها وحلفاءها المقربين حول العالم وفي مقدمتهم دول مجموعة البريكس ببيع ما بحوزتهم من أذون وسندات خزانه أمريكية، في ضوء ملكية الصين بمفردها من هذه الأذون والسندات بما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار أمريكي.