11 سبتمبر 2025
تسجيللا تتعجل عزيزي القارئ في الحكم على نوايا واهداف الكاتب من العنوان فقط، وتتسرع بتوجيه الاتهامات ونصب المصاقل قبل ان تكمل قراءة المقال، ودعني اوضح واشرح وأُبين وأفسر الاصل والمعنى لعنوان المقال، ولنبدأ أولا بأصل القصة او الرواية التي دعتني اقدم على هذا التساؤل، فهناك مقولة شهيرة في رواية «أوليفير تويست» للكاتب الانجليزي تشارلز ديكنز جاءت بلفظ اكثر قسوة من عنوان المقال، فعند ترجمتها حرفيا للغة العربية يكون معنى الجملة «إنه لقانون حمار»، وإن كان الكثير من المؤرخين يرجعون اصل المقولة الى الكاتب المسرحي الإنجليزي جورج تشابمان والتي وردت في مسرحية «الانتقام للشرف» التي نشرها عام 1654، وعلى كل حال سواء كانت هذه المقولة لديكنز او تشابمان فإن ما يعنينا هو القصد والمعنى من وراء هذه المقولة. فبعد البحث والتمحيص في المصادر الإنجليزية وجدت ان جل هذه المصادر يفسر المقولة على المعاني التالية: فهو إما أن يُقال عندما يُنظر إلى التطبيق الصارم للقانون عندما يكون مخالفا للحس السليم، أو انه يقال عندما لا يمكن الاعتماد على القانون كما تم إنشاؤه ليكون معقولًا أو عادلًا في ظل عواقب تطبيقه. ولكننا نحن العرب وكعادتنا بأن نضع لمساتنا التحليلية العجيبة على أي موضوع فقد شاهدت على إحدى القنوات الفضائية مشهدا من مسلسل ما، اثار استغرابي وهو ما دعاني الى التحقق والبحث على اصل المقولة وحقيقة كلام الممثل في ذلك المشهد. فالمشهد يبدأ بقاعة كبيرة في إحدى الجامعات وقد امتلأ مدرج القاعة بالطلبة والطالبات، وقد دخل عليهم أحد الأساتذة الجامعيين والذي يبدو من هيئته بأنه أستاذ ومحاضر امضى العديد من سنوات حياته في ممارسة مهنة المحاماة والتدريس لطلاب كلية الحقوق، وما أن يقف المحاضر القدير أمام طلابه وقد انتشر الصمت والسكون في ارجاء القاعة، حتى يقول المحاضر وبصوت يعطيك ايحاء بمقدار الحكمة والثقة بالنفس عند هذا المحاضر الذي يقول لطلبته « القانون حمار، بس للي يعرف يركبه»، فيتفاجأ الطلبة من قول المحاضر والذي يسترسل في كلامه بعد ان أوضح ان هذا هو كلام شارلز ديكنز ويقول « بأن القانون الذي يدين شخص هو نفسه الذي يمكن ان يبرئ شخص تاني اقترف نفس الفعل»، وتتوالى احداث المشهد بعد ذلك ولكنها لم تثر فضولي كما أثارته مقولة المحاضر، فهرعت الى حاسوبي وبدأت في الغور في الشبكة العنكبوتية للتعرف على حقيقة ما قاله الممثل. وبالطبع وجدت ان هناك زيادات في المقولة الاصلية لم ترد فيها وقد تغير معنى المقولة بشكل كبير، فهناك فرق كبير بين تطبيق القانون دون النظر الى أي اعتبارات أخرى، وبين استخدام القانون للتحايل والتلاعب وتشبيهه بحمار يركب، حتى إن كان هناك بالفعل من يفعل ذلك فإنه من غير اللائق استخدام هذا التعبير لحضرة القانون. وختاما أقول، في واقع الأمر وبعيدا عن التشبيه غير اللائق الذي استخدمه الممثل في المشهد، وحتى لا اتعمق في المقاصد القانونية للقوانين والتشريعات والتي اجهلها كجهلي للغة الصينية واليابانية، أحببت ان اشاركك عزيزي القارئ التفكير بصوت عال، فبإعتقادي ان الصرامة او القسوة في تطبيق مواد القانون دون النظر الى الظروف المحيطة والعواقب المترتبة انما هي نتيجة فهمه وتطبيقة حرفيا دون النظر الى روحه والذي هو مبدأ تناوله فقهاء القانون في تشريعاتهم، فالنص القانوني له شكل خارجي وروح جوهرية، فروح القانون هو السلطة التقديرية للقاضي يستخدمها لتخفيف العقوبة، أو النزول بها إلى حدها الأدنى، أو إيقافها حسبما يقتضيه القانون، بالنظر إلى ظروف المتهم والظروف المحيطة بالفعل، وما إذا كانت هناك أسباب أو دوافع خاصة أدت إلى حدوث الفعل، وفي كل الأحوال فإن القوانين والتشريعات بحد ذاتها ليست غاية وإنما هي السبيل للوصول إلى ما يحفظ حقوق الأفراد والمجتمع.