11 سبتمبر 2025
تسجيلوقفت أنتظر خروج إحدى السيارات من الموقف وقبل أن يتخذ صاحبها وضعية المغادرة فتح نافذته وألقى بقارورة ماء بلاستيكية على الأرض وذهب فركنت سيارتي ونزلت فشاهدت عامل نظافة يقارب الخمسين من العمر ينحني ويلتقط بيديه المغطيتين بقفاز مطاطي قارورة الماء الفارغة من الأرض ويلقيها في كيس القمامة الذي يرافقه في مروره بين السيارات ومحيط المواقف للتأكد من نظافة المكان وأنا هنا لست في محل الحديث عن عمل هذا الرجل الذي أرفض تماما أن يطلق عليه بعض المتعالين بعامل (الزبالة) وهو الوصف الذي يحلو لكثير منهم أن يصفوا به هذا الرجل الذي يجب أن يكون عامل نظافة للقاذورات التي نرميها نحن والتي يمكن أن نصف بها البعض ممن لا يتحلون بقليل من الأدب والتربية التي تلزمهم بأولى ما يجب أن يربوا الشخص عليها وهي النظافة التي يجب أن تتعدى معانيها إلى مستوى ألا يحرص الشخص على نظافة نفسه وبيته ومحيطه ولكن للحرص على نظافة سلوكه التي يجب أن تمنعه من رمي فضلاته في الشارع أو متنزه أو في أي مكان يشعر بأنه لا يخصه ولا يهم إن اهتم بنظافته أو لا ومن هؤلاء هذا الشخص اللامبالي والذي شعر بأن ساحة المواقف التي غادرها بسيارته إنما هي مرتع مشروع لرمي قارورات المياه أو المناديل وما شابه دون شعور واع بأن هذا (عيب) في الدرجة الأولى ناهيكم على أنه تصرف غير مسؤول وغير مبال بهذا العامل البسيط الذي عليه أن ينحني أو يلتقط بمكنسته اليدوية ما رماه هذا المتعالي غير المهتم وكأن عمل هذا الشخص هو أن يملأ المكان بالقاذورات ليعمل الشخص الثاني على نظافة هذا المكان بما أنه عمله في النهاية هو التنظيف !. سلوك مقزز وتصرف منفر ولا ينم عن تفكير راق بأن النظافة هي عادة وطبع قبل أن تكون تطبعا يكتسبها الفرد حتى في هذا العمر وأن حال عامل النظافة مثل حال أي شخص يود أن يؤدي مهمته كاملة وهذا لا يمنع أن يساعده الآخرون على إتمام مهمته مثله مثل أي شخص يتأمل أن يعينه من حوله على أداء عمله ولا يعني أن تباين الوظائف يمكن أن تؤثر على هذا الإيمان الذي يجب أن يتأصل في أنفسنا وسلوكياتنا مهما كان عمل من حولنا فعمل كل هؤلاء مهما صغر في أعيننا واستصغرنا أصحابه فعملهم لا غنى عنه في حياتنا فنحن لا نستطيع أن نعيش في مجتمع متحضر وواع دون عمال نظافة ومعظمنا لا يمكن أن يستغني عن العمالة المنزلية لكن البعض وللأسف ورغم هذه الحاجة الملحة لمثل هذه الفئات في حياتنا يستصغر أعمالهم ويتعالى عليهم إما بمركزه أو وضعه الاجتماعي والمهني وهذا أعتبره شخصيا ومثلي كثيرون بلا شك شعورا بالنقص ومرضا يجب أن يتعالج منه مثل هؤلاء أصحاب العاهات الفكرية والإنسانية الذين يؤمنون بالطبقية والفوقية رغم شعورهم الذاتي بأنهم لا يستطيعون العيش دون وجود مثل هذه الفئات العاملة في حياتهم وأنا هنا أستذكر موقفا حصل معي السنة الماضية ومع بداية جائحة كورونا العالمية حينما كنت في صف سيارات ننتظر تحول الإشارة الضوئية إلى اللون الأخضر حينما رمى قائد سيارة أمامي بعلبة شراب غازي صغيرة من النافذة على قارعة الطريق فلم أتحمل المنظر فنزلت من سيارتي والتقطت العلبة بمنديل وسلمتها له قائلة له إنه يمكنك أن تلقيها في سلة قمامة بيتكم وإن لم تملك واحدة فيمكنني شراؤها لك وتعليمك كيف ترمي فضلاتك فيها فالشارع ليس المكان المناسب لها ورغم أنني تسببت وقتها بارتباك مروري نظرا للإشارة الخضراء التي اضاءت بينما كنت أعطي هذا المغفل درسا إلا أنني كنت مؤمنة بأنني فعلت الصواب بعملي هذا وموقنة بأنني سوف أكرره إن تطلب الأمر وبشكل أكثر جدية مما كان فهؤلاء بحاجة لأن يعوا ويكتسبوا ثقافة الحرص على النظافة التي يجب أن تتعدى النظافة الشخصية إلى نظافة أي مكان يكونون فيه وأن عامل النظافة مهما كان عمله فهو قد تحمل الغربة عن عائلته وبلاده وقبل أجرا زهيدا ومعيشة صعبة ويجب أن نكون معينا له لا فرعونا يمتص قوت كرامته وتعبه بشكل أناني ومريض !.