18 سبتمبر 2025
تسجيلهو نمط علائقي تماماً كالذي يركض وراء الحافلة وهي تمشي ليتعلق بها ثم يجد مكاناً للجلوس في داخلها. نشاهد ذلك كثيراً في البلدان كثيفة السكان في العالم الثالث، لكن يجب أن نفرق أولاً بين المثقف الزئبق والمثقف الذي يغير قناعته بعد مراجعات؛ الأول لا يحمل قناعات هو إناء فارغ يمتلئ بالموجود حسب الظروف ويتشكل بالتالي طبقاً لما هو متوفر، بينما الآخر لديه قناعات قد تتغير أو تتطور كامتداد لهوية ثقافية قابلة للتغير مع تغير الزمان والمكان. الزئبقية حالة سيولة مستمرة في الفكر، يمكن التعامل معها انطلاقاً من أصالة الفكر، لكن في الإنسان من الصعب السيطرة عليها مع بقاء الإنسان أصيلاً في وجوده. المثقف الزئبقي ليس أصيلاً كوجود؛ هو شكل من أشكال العلائقية كما ذكرت، تراه في الأمام مرة، وفي المؤخرة مرة أخرى، وتدفع به ظروف خاصة ليكون الوطني الأول، ثم يوضع خلف الستار فترة أخرى، ليعود عند الحاجة، مهاجماً تارة، ومهادناً تارة أخرى حسب الطلب. المثقف الزئبقي لا يأبه للمجتمع، لأنه حالة زئبقية بلا جذور، وجوده زائف لأنه لا يستطيع الوقوف بذاته كمثقف له رأي ومبدأ، لذلك تراه ملكياً أكثر من الملك، لن تجد أحداً من أبناء الوطن المتجذر من هذا الصنف إلا ما ندر. مثقف الوطن يخاف على وطنه، يمتلك رأياً وناصحاً للقائمين عليه. المثقف الزئبقي يتمنى أن تبقى الحالة الزئبقية التي أنتجته إلى ما لانهاية، لأن الثبات يفقده الحركة حيث لا أرجل أو أقدام له؛ كثيرون تراهم أينما ذهبت من الداخل ومن الخارج الأيام تكشف بعضهم والمواقف تعري البعض الآخر والآخر الثالث صنيعة من عجين الرسم يمكن إعادة إلى اللا تشكل مرة أخرى. المثقف الزئبقي حكاية وسردية تبدأ من القفز في الحافلة الثقافية إلى القدرة على تبوؤ مكان القيادة فيها ولكن إلى مستقبل زئبقي قد ينتهي باللا شىء، حيث فاقد الجذر لاتجري به الأرجل مهما سار أو ركض. [email protected]