12 سبتمبر 2025

تسجيل

قاطـــرة التعليم

19 فبراير 2015

قاطـــرة التعليم لا يمكن لأى دولة أن تصبح أفضل ما لم يكن لدى مواطنيها طرق جديدة للتفكير العلمى المواكب للعصر الحديث الذى نعيش فيه الآن بكل ما فيه من تقنية ومخترعات لا يكاد يتابعها الإنسان العادى إلا بشق الأنفس .. وتقول الحكمة الشائعة – فى كل لغات العالم وحضاراته – أعطنى نظام تعليم جيد أعطيك شعبا متقدما يستطيع أن يواكب العصر .. وكل ما حولنا من شواهد يؤكد أنه لن تستطيع أى دولة أن تتقدم وتتطور لتساير العصر الذى نعيش فيه ما لم يكن لديها طرق تفكير ترتكز على نظام متطور للتعليم . كانت هذه مقدمة لابد منها – أعتذر عن طولها – لنوضح مدى قيمة هذا الأمر الغاية فى الأهمية .. وكما هو معروف للكافة أن المناهج التعليمية فى بلادنا العربية تعتمد على الحفظ والتلقين .. بمعنى أن الأمر برمته يعتمد على قوة الذاكرة ولا شئ غير ذلك .. وما على التلميذ فى أى مرحلة من مراحل دراسته إلا أن يحفظ ما تم حشوه فى رأسه .. وإسترجاع هذه المعلومات فى الورقة الإمتحانية هو الذى يحدد نجاحه ومستوى الدرجات التى يحصل عليها .. وهذا يعنى أن الطالب لا يتم تدريبه على " كيف يفكر " ولا حتى فى " أى شئ يفكر " أو على الأقل " ما يستحق وما لا يستحق أن يفكر فيه " . ليس هذا سوى عامل واحد من عوامل متعددة منها من يقومون بالتدريس فى بلادنا .. وما يحصلون عليه من درجات علمية تؤهلهم للعمل فى هذا المجال الأكثر أهمية وحيوية فى حياتنا على الإطلاق .. وأصبحت كليات التربية تقبل الطلاب الذين يحصلون على أقل الدرجات فى الثانوية العامة .. وحتى ما يُدرس فيها من مناهج هى الأخرى قائم على الحفظ والتلقين .. والتدريبات العملية على التدريس تكون فى أضيق نطاق . وهناك أيضا – من ضمن ما نحتاجه فى بلادنا – التعليم بهدف – بمعنى تأهيل الخريجين لسوق العمل وهو ما لا يحدث عندنا حتى فى الطلاب الذين لا يكملون تعليمهم الجامعى ويتجهون لإمتهان بعض الأعمال الحرفية وهذه الأعمال تضطلع بها المصانع حيث تقوم المصانع فى معظم البلاد الصناعية المتقدمة بإلحاق الطلاب بمدارس فيها وتتكفل بهم من كافة النواحى وعلى رأسها التدريب العملى .. وفى نهاية المطاف يتم تشغليهم فيها .. وبذلك تضمن هذه المصانع عمالة ماهرة مؤهلة للعمل ويضمن الطلاب فرص عمل بعد تخرجهم .. ومن البديهى أن هذه المصانع تضع مناهج خاصة بواسطة خبراء متخصصين فى هذا الصدد .. وأن من يقوم على تطبيق هذه المناهج أشخاص على درجة عالية من الكفاءة لنجاح وتحقيق هذه الأهداف المرجوة . إذن فإن عصب العملية التعليمية هو المنهج .. ومن يقوم على تطبيقه .. بالإضافة إلى البيئة التعليمية .. بمعنى آخر .. المعلم .. وهنا نقف طويلا أمام عدة نقطات فى غاية الأهمية . - الأولى هى دخل المعلم الذى يجب أن يكفل له حياة كريمة وأن يظهر بالمظهر اللائق بمن كاد أن يكون رسولا .. وألا يضطر .. وأكرر .. يضطر لإعطاء دروس خصوصية أو للقيام بعمل إضافى يستنزف جهده ووقته ويشغله عن عمله الأصلى فى المدرسة صباحا . - والثانية هى مكانة المعلم الإجتماعية وما تفرضه مهمته السامية من إحترام من كافة الأطراف وفى مقدمتها الطلاب وأولياء أمورهم والهيئات الإدارية المختلفة .. ولتوافر هذه المكانة لابد من حد معين من الثقافة العامة بالإضافة إلى ما يُسمى ثقافة المهنة . - أما ثالث هذه النقاط فهى المدرسة نفسها .. المدرسة المبنى والمعنى .. أى المبنى المدرسى ومدى ملاءمته لإحتياجات التلاميذ التعليمية .. فضلا عن الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية والتى تبنى الشخصية والعقل والجسد . - ولا نغفل فى نفس السياق التجهيزات المدرسية من معامل علوم وكمبيوتر ومكتبات ومسرح وإذاعة وخلاف ذلك . وفى هذا الصدد فإنه لا يمكننا إغفال الدور السلبى للأعمال الدرامية السينمائية والتليفزيونية التى تظهر المعلم فى صورة أقل ما يمكن أن توصف بها أنها لا تليق بمن كاد أن يكون رسولا كما أسلفنا .. وهذه الصورة يجب أن تتغير وأن يتم تناول الأمر بشكل مختلف .. ويكفى أن أقول أننا فى الماضى كنا نخلط بين الأب والمدرس وقد ننادى أحدهما بلقب الآخر . وفى النهاية فإننا نُذَكِر بأن كل الدول التى دُمرت وإنهارت تماما أو كادت تقريبا فى ظروف الحروب - وفى مقدمتها اليابان كأفضل مثال - تقدمت ونافست على القمة حتى إحتلتها عن جدارة.. بل وأصبحت منتجة للعلم والمعرفة والتكنولوجيا ومحل ثقة المجتمع العالمى بفضل تبنى نظام تعليم متميز قائم على استخدام ما وهب الله العقل البشرى من إمكانيات . وإلى موضوع جديد ومقالنا القادم بحول الله . بقلم : د.مصطفى عابدين شمس الدين [email protected] [email protected]