14 سبتمبر 2025

تسجيل

رؤية تحليلية لاقتصادات الشرق الأوسط 2014

19 فبراير 2014

يرى الكثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين العالميين أن الدول النامية ومن بينها دول الشرق الأوسط تعاني مجموعة من المعوقات والقيود المرتبطة بالقدرات، والتي تحول دون تحقيقها لمعدلات نمو مرتفعة مستدامة، وأن عليها لتحقيق معدلات نمو أفضل وأكبر ضرورة إجراء عدداً من الإصلاحات الهيكلية الأساسية ومن بينها تسهيل وخفض تكاليف ممارسة الأعمال والمشروعات خاصة الصغيرة منها والمتوسطة، وإصدار التشريعات الكفيلة بجذب وتشجيع وضمان الاستثمار والمستثمرين سواء كانوا محليين أو أجانب والاهتمام كذلك بالإنفاق على مشروعات البنية التحتية ورأس المال البشرى. هذا وقد أكدت أحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي حول الأوضاع الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط على ضخامة التحديات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية وتعاظم المطالب الفئوية التي تواجه دول ثورات الربيع العربي، وهي التوترات التي أدت إلى تفاقم الضغوط المالية وإلى إحباط كافة محاولات التعافي الاقتصادي الممكنة بهذه الدول بعد أكثر من ثلاث سنوات من قيام هذه الثورات.. وأكد التقرير كذلك على أن تونس والمغرب ومصر والأردن وهي جميعاً من الدول المستوردة للنفط والغاز تواجه مشكلة ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة، كما تعاني الانعكاسات السلبية المترتبة على تراجع الاقتصاد العالمي من نقص في الإعداد والإيرادات السياحية وخفض إيرادات الصادرات، مما ولد تنامي حالات الاستياء والسخط الشعبي بهذه الدول.وأضح تقرير الصندوق أن التحدي الأكبر أمام حكومات دول ثورات الربيع العربي يتمثل في كيفية التعامل مع طموحات وتوقعات ومطالب جميع المواطنين الذين نفد صبرهم من عدم تنفيذها، ومن ثم تزايدت حالات الرفض الشعبي والجماهيري لأي إصلاحات اقتصادية أو مالية قد تحقق للبلاد بعض الاستقرار الاقتصادي وتعمل على توفير المزيد من فرص العمل وتزيد من معدلات النمو، على اعتبار أن مثل هذه الإصلاحات سوف تسبب لهم أعباء وضغوطا اقتصادية يمكن أن تؤثر سلباً على حياتهم وعلى مستوى معيشتهم.وأكد التقرير أن سعي حكومات ما بعد الثورة في دول الربيع العربي إلى اكتساب التأييد والشعبية قد اجبر هذه الحكومات إلى زيادة الإنفاق على دعم الغذاء والطاقة في ذات الوقت الذي انخفضت فيه إيراداتها من العملات الأجنبية بسبب تزايد حالات الانفلات الأمني بالبلاد، مما اضطرها للسحب من احتياطياتها من النقد الأجنبي وكذا التوسع في الاقتراض الداخلي وبأسعار فائدة مرتفعة، وما ترتب على ذلك من زيادة مديونياتها وزيادة عجز موازناتها التي توقع صندوق النقد الدولي زيادتها في دولة مثل مصر في هذا العام مابين 10 و12% من إجمالي ناتجها المحلي.كما أكد تقرير الصندوق أن الاضطرابات السياسة في دول الربيع العربي قد أضرت كثيراً باستقرار الاستثمارات الأجنبية التي تعمل في هذه الدول واضطرت البعض منها إلى تصفية أنشطته والخروج منها إلى مناطق ودول مجاورة أكثر أمناً، كما أثرت سلبياً كذلك على كثير من الاستثمارات المحلية وعلى اهتزاز ثقة القطاع الخاص بمناخ الاستثمار وقدرة الحكومات على تحسينه في المدى القصير.. وأكد التقرير كذلك على أن التعافي الاقتصادي الذي حدث ببعض هذه الدول إنما يعود إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الأجور والدعم وخطط التحفيز المالي وليس نتاج تعافٍ اقتصادي حقيقي.وتوقع تقرير صندوق النقد أن يبلغ متوسط معدل النمو بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المستوردة للنفط والغاز في عام 2014 نحو 3%، وأكد أن هذا المعدل لن يكون كافياً لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الداخلين إلى سوق العمل في ظل معاناة دول المنطقة من ارتفاع كبير في معدلات البطالة التي تزايدت حدتها في أعقاب الاضطرابات السياسية التي اجتاحت دول ثورات الربيع العربي في بداية عام 2011 وأدت إلى هروب العديد من الاستثمارات وانخفاض ملموس في الإيرادات السياحية وإحداث حالة من الركود بالأسواق.كما أن هناك تخوفات واضحة من التأثيرات السلبية التي يمكن أن يعكسها تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في ظل المراجعة التي أجراها صندوق النقد الدولي مؤخراً لبياناته وخفض فيها من توقعاته لمعدلات النمو في كل من الصين وألمانيا وفرنسا، ليتفق في ذلك مع تقارير البنك الدولي التي توقعت أن يبلغ معدل النمو العالمي هذا العام نحو 3% فقط، وبررت ذلك الانخفاض باستمرار حالة الانكماش في منطقة اليورو وارتفاع معدلات البطالة بها، وكذا لتباطؤ معدلات النمو بالاقتصادات الناشئة وفي مقدمتها الصين والهند، بالإضافة إلى التخوفات العالمية من إلغاء البنك المركزي الأمريكي لبرنامج التيسير الكمي أو خفضه بمعدلات كبيرة "نتيجة لتحسن معدلات البطالة بها" وتأثير تلك الخطوة سلبياً على العديد من الاقتصادات خاصة دول الأسواق الناشئة.وتوقع تقرير البنك الدولي كذلك أن تبلغ معدلات النمو بالدول النامية هذا العام نحو 5.6% وأرجع البنك هذه التوقعات المتواضعة نسبياً إلى وجود معوقات وقيود تكتنف القدرات الأساسية بالعديد من الدول ذات الدخل المتوسط... إلا أنني أرى أن إجراء الإصلاحات الهيكلية في الدول النامية وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط العربية المستوردة للنفط والغاز لم تعد أمراً ترفياً أو اختياريا، وذلك إذا كانت هذه الدول راغبة حقاً في خفض مديونياتها وعجز موازناتها ومعدلات البطالة المرتفعة بين أبنائها وقبل كل ذلك زيادة معدلات النمو.