13 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمم المتحدة والاستعانة بالخبرات الإسلامية في أجندة التنمية لعام 2015

19 فبراير 2014

من سنن الله في خلقه أنه كلما احتضر نظام ما تجدد الحديث عن الخيارات البديلة حتى لا تتوقف عجلة النمو فتتحول مصائب النظام السابق إلى فوائد للأنظمة البديلة وهو أمر على المستوى الاقتصادي شاهدناه حين سيطرت الأنظمة الاقتصادية المتمثلة في النظامين الرأسمالي والاشتراكي وبعد مرور سبعة عقود من تطبيق الاشتراكية كان سقوطها خلال هذه الفترة الوجيزة ومعاناتها من نقاط ضعف كثيرة دليلا على عدم قدرتها على التطبيق فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للرأس مالية حينها احتضرت الاشتراكية وبدأت الرأسمالية تدور في الفلك الاقتصادي العالمي منفردة متحصنة بسياسة العصا والجزرة والمتمثلة في: العصا (القوة العسكرية)، والجزرة (اقتصاد – سياسة – إعلام) وأساليب الاحتكار والعولمة ومنظمة التجارة العالمية كل ذلك بغية الديمومة، وشيء فشيء بدأت الرأسمالية تتوسع وتزدهر وبوتيرة متسارعة وبالمقابل تتراجع نظم الاشتراكية وتتلاشى حتى بقيت بالكاد شبه معدومة أو أن الدول التي بقيت تدور في فلكها حولت أنظمتها بفعل الضغوط الاقتصادية إلى مزيج بين الاثنين وعلى ما يبدو فإنه لا يمنع حذر من قدر فمع وصول النشاط المالي العالمي إلى نحو 600 تريليون دولار لا يخضع منها لرقابة السلطات المصرفية والبنوك المركزية في العالم إلا 150 تريليون دولار فقط؛ الأمر الذي وضع العالم أمام اقتصاد منفلت بصورة حادة خاصة في قطاع التمويل العقاري عن طريق الإقراض بلا ضوابط مما أدى إلى اندلاع الأزمة في هرم الرأسمالية وتفاقمها وتسربها لتشمل النظام الاقتصادي العالمي حينها بدأ الحديث عن الخيارات البديلة فكان اللافت للانتباه أن أزيد من 56 مؤسسة نقدية في أمريكا وأوروبا كانت هي الأقل تأثرا بالأزمة المالية إلى حد أن الأزمة لم تمسها بالأساس فقد كانت تعمل وفقا لنظام الصيرفة الإسلامية.ومع تزايد حدة الأزمة وعدم نجاعة خطط الإنقاذ وظهور قوى على الساحة مثل الصين واليابان ودول في جنوب شرق آسيا وتجدد الحديث هنا وهناك عن عالم متعدد الأقطاب ازداد الحديث عن الاقتصاد الإسلامي نظرا لثبات خطواته وقدرته على النمو بسرعة مطردة ففي الوقت الذي تغوص دول الغرب داخل رواكد الرأسمالية لانتشال ما أمكن انتشاله جراء الإعصار المالي كان قطاع البنوك الإسلامية يعيش نموا سريعا بلغ معدله 15% سنويا على مستوى العالم، و20% في بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي في الفترة الأخيرة. والأغرب من ذلك أن حوالي 300 بنك إسلامي في العالم الآن تقدر أموالها بـ 700 مليار دولار، ومن المنتظر أن تصل قيمة أموالها إلى تريليوني دولار في عام 2015. مرد هذا إلى أن نقاط الضعف التي تسرب منها داء الأزمة وتفشت منها العدوى هي نقاط قوة بالنسبة للاقتصاد الإسلامي فكون النظام الرأسمالي يقوم على اليد الخفية الهادفة إلى الربح بأي وسيلة في المقام الأول كان الاقتصاد الإسلامي قد وضع لذلك ضوابط في السابق فالربا مثلا محرم بالنصوص القرآنية كما نهى الإسلام عن المتاجرة بالديون ووضع الفقه الإسلامي ضوابط لمن يريد الاستدانة، وشيء فشيء شاع صيت الاقتصاد الإسلامي إلى درجة أنه يمكن أن يشكل مخرجا من الأزمة الراهنة، فحسب توصيات لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ الفرنسي ينبغي ضرورة الأخذ بنظام التمويل الإسلامي لتصويب أخطاء النظام المتبع ومع تزايد الحديث عن تجنب المنتجات المالية الإسلامية أساليب المضاربات وهو بالضبط ما يهدف إليه المشرعون في الحقبة الجديدة التي بدأنا بدخولها يزداد الحديث أيضا داخل مراكز القرار في الغرب عن مدى ثقة وقوة واستدامة النموذج المالي الإسلامي إلى درجة تلميح البعض أن المنتجات الإسلامية قد تقدم ملاذا آمنا في هذه المرحلة الحرجة الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تستعين بخبرات البنك الإسلامي في أجندة التنمية لعام 2015.كشفت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة عن الأجندة الرئيسية لبرنامج التنمية لعام 2015، مشيرة إلى أنها تسلط الضوء على التحولات الاقتصادية، والقضايا الحكومية، وتنمية البنى التحتية، والحوكمة وحقوق الإنسان، والتباين التشريعي، ومع أن المستشارة بحثت مع رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في جدة بالسعودية؛ كيفية توظيف الدور الذي تضطلع به المجموعة في تغذية أفكار أجندة المؤتمر الدولي المعني بتشكيل أجندة المنظمة الدولية لاستدامة التنمية في العالم بشكل عام، وفي إفريقيا بشكل خاص، ومع تشديدها على أهمية تكامل الجهود مع تجربة البنك الإسلامي بمناسبة الذكرى الألفية لأهداف المنظمة الدولية وفق الرؤى المخطط لها في عام 2020، وكيفية توظيفها في تحقيق الاكتفاء من الاحتياجات الملحة للتنمية المستدامة وترى وتدرك أن هناك بعدا وتراكما نوعيا من الخبرات التي يمكن جنيها من الدول الأعضاء في مجموعة البنك الإسلامي للاستفادة منها في كيفية تعميم عناصر التنمية المستدامة للدول الأكثر حاجة إليها فيما يتعلق بتخفيف وطأة الفقر والجوع وتعزيز الحوكمة ونشر التعليم، فضلا عن حقوق الإنسان بشكل عام.من هنا فإن على القائمين على ترويج التجربة الإسلامية أن يدركوا أن إصابة الرأسمالية حاليا لم تكن بقدر المستوى الذي كانت عليه الاشتراكية إبان تدهورها ولا نضج المنظومة الإسلامية حاليا بقدر نضج الرأسمالية أيام تدهور الاشتراكية ولم تكن النظرية الإسلامية بالمتقبلة في الغرب الرأسمالي الجريح حتى ولو كانت أوساطا غربية عدة ألمحت إلى إمكانية إيجاد آليات لدمج صيغ المعاملات الإسلامية ضمن النظام المالي الرأسمالي المعمول به حالياً وإذا كان البعض يرى أن الفرصة الآن سانحة أكثر من أي وقت مضى لكي يقدم الاقتصاد الإسلامي نفسه للعالم كله، ويقدم صورةً مثاليةً يراها الناس واضحةً خاليةً من كل هذه المشكلات التي خلَّفتها الأنظمة الاقتصادية المختلفة فعلينا ألا ننسى أيضا مدى قدرة الغرب على ليونة المواقف عند الحاجة وكراهيته للغير خصوصا ما يمت للإسلام بصله في الرخاء. وعلى القائمين على العمل المصرفي الإسلامي حاليا التأمل أكثر من التقدم خطوات إلى الغرب فواثق الخطوة في ظل الأزمات يمشي حذرا أكثر منه ملكا، والبلاء لا يهرول عنه ولكن لا يقدم عليه والزج بالاستثمارات الإسلامية حاليا في مستنقعات الرأسمالية الملوثة قد يعرضها للخطر بحكم الارتداد المتوقع للأزمة وبحكم قدرة المختبرات الغربية على الغربلة فتأخذ الثمرة المبتغاة وتحجب المعلومة التي أريد إرسالها عن المرسلة إليه وبالتالي فما ينبغي التركيز عليه حاليا بالدرجة الأولى هو العالم الإسلامي فلو قارنا بين عدد المسلمين المتعاملين بالبنوك التقليدية والإسلامية لوجدنا الفرق مازال شاسعا لا لشيء سوى أن الدعاية الإعلامية للمصارف الإسلامية موجهة إلى الغرب أكثر منها إلى 1.3 مليار نسمة من المسلمين الأمر الذي يجعل الضالة التي ننشدها ربما تكون قد بقيت خلفنا فالتجربة الإسلامية من الآن فصاعدا ستبقى محط أنظار الدول الغربية دون استثناء.