11 سبتمبر 2025

تسجيل

برودة

19 يناير 2023

لا اكتب هنا عن طقس ولا مناخ هذه الأيام التي تحمل برودة او غيوماً تُنذر بالمطر، فالبرودة قد ترتبط ايضاً بالمشاعر والأحاسيس، فيما لا يعتقد البعض بوجود هذه البرودة، فإما أن تكون مشاعر أو لا مشاعر، وهنا يكمن الفرق بأن يكون لدينا شغف وشعور تجاه الأشياء التي نفعلها مهما كانت صغيرة فالشغف هو المحرك الأساسي لكل شيء وهو الوقود الذي يُحركنا من الداخل ويدفعنا للتحدي. وتتشكل صورة فقدان الشغف وبرودة المشاعر تجاه الأشياء بالامبالاة في ردة الفعل، فعندما نحظى بالشغف قد لا نستطيع النوم لأجل شيء نحبه وقد لا نشعر بالتعب أبدًا في سبيل تحقيقه، لكن شغفنا يتأرجح أحيانًا ما بين مد وجزر، وهذا أمر صحي وطبيعي، لكن من غير الطبيعي أن يختفي لفترة طويلة خاصة إذا اقترن هذا الفقدان بشعور الإحباط أو الحزن، والشعور بأن القلب الذي كان مثل النار المشتعلة تجاه شيء ما أصبح باردًا لا يُحركه أي حماس فنشعر في هذه اللحظة بأننا محبطون من أنفسنا ونتساءل عن سبب فقدان الشعور بالشغف الذي كان موجودًا في الماضي، والذي اوصلنا لطريق بارد كالصقيع. ان المعاملة السيئة او الخذلان او عدم التقدير من أبرز العوامل التي تحدد مدى نجاح العلاقة سواء شخصية او مهنية او اي علاقة كانت ومدى استمرارها في شغف وتبادل مشاعر او السير بها نحو البرود والتلاشي او نكرانها تماما والتخلص منها، تلك الأسباب تجعل الشخص يوجه مشاعره ويبنيها على القسوة والغلظة وقلة تبادل العطف والمحبة كما أنها دليل على ضعف المشاعر ومدى تشتت صاحبها وأنه يعيش بينه وبين نفسه بالمشاكل الذاتية التي يُسقطها على تعاملاته الحياتية فتتولد برودة المشاعر مما يؤدي بالقضاء على كل العلاقات وعلى كل المعاني الجميلة بين الأفراد كالعنف الذي يولد الكراهية والاكتفاء بالذات، وبرودة المشاعر حقيقة لا تنشأ فقط بيننا وبين الأشخاص حولنا بل ايضاً بيننا وبين ما نحب من امور حياتية او افعال يومية كنا نحبها يوماً، وفي كثير من الأحيان نذهب في حالة مزمنة من فقدان المشاعر تجاه شخص كنا نحسبه في يوم من الأيام من أحب الناس إلى قلوبنا او عمل كنا نجد انفسنا فيه ونشعر بقيمتنا ونحن نمارسه، وهذه الحالة بالطبع لا تتكون بين ليلة وضحاها ولا ترتبط بمزاجية الشخص بل بالتراكم البطيء جدا حتى يأتي وقت وتنهار كل قلاع المشاعر وتصبح القلوب خاوية من ذلك الدفء الذي لطالما كنا نشعر به ونتزود منه كمتاعٍ يُعيننا في رحلة الحياة، حتى نقف امام مرآتنا متسائلين بوجع عن تلك المشاعر الجياشة الدافئه وأين ذهبت فجأة وإن كنا نعلم علم اليقين ان هذا السؤال جاء متأخراً وبعد ان استنفدنا طاقتنا ولكن لحظة التصديق هذه أيضا تأتي في وقت معين لتثبت فقدان مقاومتها على الاستمرار أكثر من هذا، لنعترف أمام أنفسنا ومرآتنا التي تعكس الحقيقة بأننا لم نعد نكن لهذا الشخص او الشيء أي شعور وبمعنى اكثر دقةً كنا واهمين في اعتبار تلك المشاعر دافئة او ذات قيمة او مُستحقة. اخيراً: برودة المشاعر أخطر على الروح من ألف شتاء.