15 سبتمبر 2025
تسجيللم أكن أستطيع أن أتجاوز مقطع الفيديو الذي تم تداوله بين المغردين، ونقلته المواقع الإخبارية ومنها موقع صحيفة الشرق القطرية حول موجة البكاء التي أصابت مذيعة قناة الجزيرة مباشر حياة اليماني وهي تتابع التغطية الإعلامية التي قام بها مراسل القناة في مخيمات اللاجئين السوريين في الشمال السوري بمخيم النازحين في ريف إدلب، وتحديدا في خيمة الحاج أبو علي الذي يعيش هو وأسرته في خيمة بالية كانت تقطر منها قطرات المطر الباردة بينما يلفها الثلج من كل صوب، والأهم هو المشهد الذي لم يستطع المراسل أن يتمالك نفسه أمامه وهو يرى أحد أبناء أبو علي وهو يرتجف من البرد ولا يستطيع حتى أن يلملم كلماته ليجيب على أسئلة المراسل التي كانت حول كيفية تجنب موجات الصقيع التي تهب على هذه المخيمات البالية التي لا تمنع لهيب الصيف ولا صقيع الشتاء عن ساكنيها العُزل ليجيب على السؤال هذا الطفل بكلمتين هما: (الله يدبر) قبل أن يجهش الصغير بالبكاء الحار وأسنانه تصطك من شدة البرد، ليحاول المراسل بعدها أن يمسك دموعه التي لم يستطع أن يخفيها عن عين الكاميرا وينقل الكلمة للمذيعة حياة التي كانت هي الأخرى في عالم آخر من الانهيار ولم تقدر رغم انتقال البث لها أن تتحدث ولو بكلمة واحدة بعد أن صدمها حال الطفل (علي) الذي أبكاها بحرارة وجعلها تعلق على المشهد بكثير من الإنسانية والتعاطف والرحمة التي فقدها النظام السوري المجرم الذي لم يكن ليكلف نفسه تأمين حياة شعبه من الشتات والتهجير والفرقة والفقر وحال اللا وطن الذي يعيشونه بقسوة، وأن هذا الشعب في الأول والأخير ضحية للاستبداد لهذا النظام الذي يمكن وصفه بأنه نظام فاشي وبلا رحمة بغض النظر عن تقصير العرب من هذا الشعب المهجر على الحدود وفي ظروف قاسية كالتي نقلتها عدسة الجزيرة مباشر وجعلت الجميع يبكي منه تألما وترحما وتعطفا على الوضع الذي باتت عليه ظروف اهل الشام، وقد كان خيرهم في التاريخ يغطي العالم الإسلامي كله. أنا هنا لن أعيد وأكرر وأزيد عن دور الجمعيات الخيرية العربية والإسلامية من هذه الأوضاع المؤلمة للنازحين واللاجئين لا سيما للسوريين، وهم أكثر الناس لدينا شتاتا وتفرقا وتهجيرا، ولكني عجبت لأعذار بعض هذه الجمعيات التي بررت عدم تأمين النازحين ببيوت ومجمعات سكنية تقيهم حرارة الصيف وصقيع الشتاء لأن الأمور والظروف السياسية تمنعهم من إنشاء أوطان بديلة على الحدود الفارقة بين الدول، فهل كان هذا السبب الذي يعتمد على جغرافية الخرائط مقدما على التأمين على حياة مئات الآلاف ممن يذهب أطفالهم وصغارهم ضحايا هذا العذر اللا إنساني لمهماتهم التي من المفترض أن تكون إنسانية في المقام الأول؟! فماذا يعني أن أحافظ على حياة إنسان في بيت يحفظ له حياته وحياة أسرته وصغاره مقابل أن أحافظ على إنسانيتي أمام مثل هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة فيما يعيشونه من ظروف قاسية لا دخل لهم فيها ولا تدخل، فهم نازحون ولاجئون بخيام أو بيوت لأنهم فعلا بلا وطن ولا رئاسة ولا قيادة ولا حكومة ولا جوازات سفر ولا وثائق ولا هوية؟! فأين المشكلة من أن تذهب كل التبرعات المليونية سواء من حكومات وشعوب وهيئات وجمعيات خيرية لتأمين حياة وكرامة هؤلاء عوضا عن مساعدات كل يوم لتأمين خيمة لأسرة نازحة أو ترقيع أخرى وفي الحالتين يعاني من فيها؟! فالامر لا يحتاج إلى (ترند) ليهتم المعنيون بأوضاع هؤلاء أو تسليط كاميرا عليهم ليلفت أنظار المهتمين لما يعانيه اللاجئون السوريون ولكنه يحتاج لمن يلغي كل ما تمنعه السياسة لنرى كل ما يجب أن تمنحه الإنسانية لمثل هؤلاء الذين تبلغ أقصى أحلامهم أن يروا جدرانا منيعة تمنع عنهم حرارة الشمس من أن تلسع أجسادهم وتبتر أذرع الشتاء القارسة من أن تجمد أطرافهم كالذي نراه الآن ولا نملك أمامه سوى الدعاء بأن يخلق الله لهم وطنا جديدا عوضا عن وطنهم الذي فارقوه عن غير طواعية منهم بإذن الله.