12 سبتمبر 2025
تسجيليُشكّلُ شعارُ اليوم الوطني لهذا العام (المعالي كايده) – المُستوحَى من قصيدة للمؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، يرثي فيها ابنه الشيخ (جوعان) يرحمهما الله - تعبيراً عن دور الإنسان القطري في مرحلة تأسيس الدولة، وأن الوصول إلى المعالي يحتاج إلى مكابدة وتضحيات، ولن يكون مفروشاً بالورود، تماماً كما قال الشاعر: لا تحسَب المَجدَ تمْراً أنتَ آكِلُهُ لن تبلغَ المَجدَ حتى تلعَقَ الصَبرا ويَحثُّ شعار هذا العام الشبابَ على بذل المزيد من الجهد تجاه الوطن والمواطن، مهما كان موقع الشباب، ومهما كان تخصصهم، يجمعهم في ذلك التميّز الذي ظهرت عليه الشخصية القطرية، والمتمثلة في الثلاث (وطن – شعب – أرض). كما أن التغنّي برموز الوطن، من الذين بذلوا الغالي والنفيس والأرواح للدفاع عن هذا الوطن ورفعته، من الواجبات الأساسية تجاه هذا الوطن، وهو يؤكد الانتماء الحقيقي، إذ لا توجد هُويّة بدون وطن! ومن ذلك يتكون الوطن، وهو الملاذ، والصدر الرَحب الذي يحنو على كلّ مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة. ولأنَّ جيلَ الشباب يحمل مستقبلَ الوطن، فإنه مُطالبٌ بالتأثير الإيجابي، وخلقِ طاقةٍ إيجابيةٍ لمن حوله، وانطباعٍ إيجابي تجاهَ الآخر. ويأتي ذلك التأثير من اللُطف، وعفَّة اللسان، واستواء الشخصية، وسمو الأخلاق. إن الأخيار دوماً يتركون آثاراً طيبة، والعكسُ بالعكس. وفي لقاء طيب، طُرحَ موضوعُ النُخب.. هل تؤدي النُخبُ العربية أدوارَها كاملة تجاه أوطانها؟! وهذا موضوع طويل وشائك. لأن النُخبَ دوماً يُنظر إليها على أنها "مُشاكسة"! وأنها "لا يُعجبُها العَجب!" فإذا لم تتحقَّق آراؤها؛ فإنها تنكَفئ على ذاتها، وتعيشُ إما في جحورٍ مظلمة، أو أبراجٍ عاجيّة، لا تتفاعل – في الحالتين – مع حدثان الزمن، ولا مع احتياجات الوطن. وهنالك مَن يتحدث عن "احتواء" النُخب، ليكونوا "كنهةَ" القصور، وهذا اتجاهٌ سلبي، لأن المُفكِّر أو صاحبَ الحِراك الثقافي والمُبدع، لا بُدَّ له من التمسك بالأخلاق، ولا بُدَّ له من مُناخ العدالة، والابتعاد عن الجور! فالرأي، دوماً له رأيٌّ مقابل، قد نختلف مع صاحبه، لكننا لا نُعاديه، أو نزجرهُ أو نقصيه! بل على العكس، يجب أن نحاوره، ونتفهَّم آراءَهُ، إن لم يخرج على قيم الأمة، أو السويّة! ولا يُمكن تحقيقُ مواطَنةٍ صالحة إلا بتوفير مُناخ الحرية!. لأنَّ حريةَ البحث والرأي هي الضامن الأساسي للوصول إلى النتائج الطبيعية غير المنحازة. وطريقُ العلم لا يعرفُ أنصافَ الحلول، ومتى ظهرت نتائجُ البحوث العلمية، والآراءُ الصحفية والإعلامية، بكُلّ حرية، ودونَ تَدخّل، تأصّلت قيمُ المُواطنة، وعادت النُخب المَقصيّة أو الإقصائية إلى دورها الطبيعي في التفاعل مع قضايا المجتمع. نعودُ إلى شعار اليوم الوطني ومناسبته! حيث دافعَ الشيخ (جوعان) ابن المؤسس، مع مجموعة من القطريين عن ديارهم، حتى استُشهد ومعه مجموعة من أبناء قطر، بعد نزالٍ صعبٍ مع المُغيرين على أراضي قطر، وكانت تلك الحادثة حافزاً وطريقاً نحو تأسيس الدولة الحديثة. وحريٌّ بشبابِ اليوم، البحث والقراءة عن سيرة الشيخ (جوعان)، وكيف أنه كان طالباً للعلم، كريمَ الأخلاق، ويتمتعُ بنُبلِ الفارس الشجاع. تلك الصفات أخذها من طبيعة المجتمع القطري، القائمة على التآخي، والتعاضد ونُصرة الملهوف. وشباب اليوم، دوماً بحاجة إلى مثال (Ideal)، ويجب أن يتم تعميم ُسيرةِ الشيخ (جوعان) على المدارس والكليات والجامعات، لأنهم بحاجة إلى ذلك المثال، وهذا يعزِّزُ روحَ الانتماء والإخلاص للوطن. ومتى كان الشابُّ مُتعلماً، كريمَ الأخلاق، مُحبّا لوطنه، فإنه سوف ينجح في إتقان عمله، وخدمة مجتمعه بلا منّة! لأن التراخي في أداء العمل والإخلاص له، يُهدر الكثير من الطاقات، ويُؤذي مشاعر المجتمع، ويُعطّلُ الحياة في المرافق العامة. كما أن الإنسان غير المُنتج، يكون عالةً على المجتمع، مهما توفرت أساليبُ الرفاهية. ومن أساسياتِ خلْق الشخصية القطرية المُنتجة، تحفيزُ الشباب على الابتكار والبحث عن الجديد في هذه الحياة؛ لأن الشباب سيُديرون الوطن بروحٍ مختلفة، وعقلية مختلفة، عمّن سبقوهم. وهذا يتطلب – على الدوام – تحديثَ مناهج التعليم، وتوسيعَ المدارك المعتمدة على التجربة والاكتشاف، بعيداً عن الحفظ والتلقين، والجلوس في "تابوت التاريخ"، وتوفيرَ الأدواتِ المناسبة للمستقبل، سواءٌ عبرَ البنى التحتية المُعتمدة على التكنولوجيا، أو عبر استنباط أفكارٍ جديدة تُعينُ الشباب على حلِّ أسئلة الحياة الصعبة. ومن معاني اليوم الوطني التعاضد، ونبذ الفُرقة، والابتعاد عمّا يفتُّ في عضد التلاحم المجتمعي، وذلك بالنظر إلى قيمة الإنسان كفرد من جماعة تنتمي إلى وطن واحد، وأرض واحدة. هذه الجماعة تعتمد على فضيلتي الأخلاق والعِلم، وبدون هذين العُنصرين، لا يمكن أن تتحقَّق هُويّةُ المجتمع، ولا تنميته!. ذلك أن على أساس هذين العُنصرين نهضت دولٌ كانت تعاني أمراضَ العصر، ومنها: سنغافورة وماليزيا، حيث اعتمد كُلٌّ منهما على العِلم والأخلاق، رغم التنوع الإثني والعقائدي. ومن معاني اليوم الوطني حُسن استغلال الوقت، وعدم إضاعته فيما لا ينفع، أو هدره في تصرُّفاتٍ وأعمالٍ غير إيجابية، لأنَّ الإنسانَ المُتحضّر هو الذي يحافظ على الوقت، ويُدركُ قيمةَ الوقتِ في إنجاز ما هو مطلوبٌ منه تجاهَ مُجتمعه. ونحن في دولة قطر، ننعمُ بنسيج اجتماعي واحد، لا تُفرّقهُ الألوان أو الأصول، أو الانتماءات الفكرية؛ ذلك أن الانتماء لقطر، بكافة مراحلها التاريخية والأزمات التي مرّت بها منذ عام 1851. لقد واجهَ الأجدادُ تحدِّيات العصر، العسكرية والأمنية والاقتصادية والبيئية، ولكن تكاتفَ المجتمع القطري، ساهمَ في الانتصار على تلك التحدِّيات، حتى تَفجّر النفط من أرض قطر، ومعه بدأت مرحلةُ التحديث الاقتصادي، وبدأ عهدُ الرخاء الاجتماعي الذي تنعمُ به هذه الأجيال. ومن معاني اليوم الوطني حفظُ مُقدرات الوطن، ومكافحةُ الفساد، أينما كان، وحُسن توظيف الثروة للأجيال القادمة. ولقد سمعنا قبل أيام، اكتشافَ حقلِ غاز جديد، في بلدنا العزيز، وهذا من نِعم الخالق عزّ وجل، أن يَخُصَّ هذا الشعبَ الطيِّب بهذه الثروة التي يعود خيرُها على الأرض والإنسان. كثيرة هي معاني اليوم الوطني، ولكن على كُلِّ إنسان يعيشُ على هذه الأرض أن يضع بين عينيه حِكمةَ المؤسس (المعالي كايده)، فهي مفتاحُ النجاح والحياةِ الكريمة!. وحفظ الله بلادَنا وقيادتَها من كُلِّ سوء، تحت الرعاية الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، مثالِ الشباب وأيقونةِ المجد.