20 سبتمبر 2025
تسجيلثمة فرق بين الفكر وحامله، حامل الفكر إنسان والفكر في ذاته حالة قابلة للتبدل والتغير، ولكن يبقى حامله في جميع الأحوال إنسانا له جميع حقوق الإنسانية وعليه واجبات يتحملها بصفته كذلك. تعتقد العقلية العربية بعظيم انجازها حينما تشرع في تصنيف الناس، فذاك ليبرالي والآخر إسلامي والثالث حداثي.. وإلخ. تستعير من العصر ثقافته وتلبس جلبابه دونما مشاركه فعالة منها في إثراء هذه الثقافة. المشكلة كما أراها في عدم اعتماد البعد الإنساني كمركز تنطلق منه مثل هذه التصنيفات، وإنما تتم الاستعاضة عنه بمركزية أخرى استبدادية تنطلق من الذات المعتقدة بأنها تمتلك الحقيقة الوحيدة ودون ذلك الخروج أو البعد عنها. حتى في مثل هذا الوضع نحن في حالة استعارة وتزوير لتاريخ الغير بصورة يندى لها الجبين. تنسى مثل هذه العقلية العربية أن التيارات الفكرية بأنواعها وأشكالها المختلفة وفي مواطن نشأتها قامت أساساً من أجل الإنسان، واستمر منها ما توافق مع ذلك فقط، فالمركزية أساساً إنسانية الطابع ومن شذ عنها سقط وطردته الشعوب من نافذة التاريخ ركلاً بالأقدام، واستمر منها فقط ذلك الذى استطاع أن يعتمد البعد الإنساني في داخل نسقه، الجميع تأنسن ابتداء من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، الحراك الاجتماعي هناك المتجه نحو مركزية الإنسان استطاع تحويلها قوة دافعة لبناء المجتمع وليس لإعاقته وتقسيمه كما نرى داخل مجتمعاتنا. لذلك ثمة حالة من الاصطفاف غير الواعي خلف المصطلحات المستوردة نعجز عن تحريكها أو فهمها في إطارها التاريخي والثقافي فنصل الى حالة من الانبهار أمامها، نقدسها بشمولية كبيرة ويحملها الواحد منا وكأنها قدر لا فرار منه، الديمقراطية – العلمانية – المجتمع المدني – الحداثة - تاريخية النص وما الى ذلك كلها إفرازات لجسم آخر مر بتعرجات تاريخية وثقافية لم تشهدها مجتمعاتنا الضعيفـة، رغم عالميتها وإنسانيتها (أي هذه المصطلحات) وإشكالية مثل هذا الاصطفاف العشوائي والشمولي خلفها يتمثل في شروط أصحابه ضرورة إخراج ما يحتويه بطن وجوف الأمة أولاً من كل تراكماته عبر العصور وإزالة ما علق بهذا البطن، وذلك الجوف حتى نسمح لمثل هذا المصطلحات والمفردات أن تدخل وأن تستقر داخله وهو الأمر المستحيل، لأنها في الحقيقة وداخل مجتمعاتها أصلا لم تفعل الشيء نفسه، وإنما جاءت نتيجة لتوافقات ثقافية وتاريخية وليس استئصالاً وقطعاً حاداً مثل ما يتطلبه من يصطف خلفها، انه بالضبط كمن يشترط عليك قبل أن يحادثك أن تحلق لحيتك أو أن تغير ملابسك، فجمود الأمة من جمود الفهم لحركة التاريخ والتفاعل الثقافي، فمن المعروف أن الأمة إسلامية "أمة" أسسها نص هو "القرآن الكريم"، هذه حقيقة لا يمكن بحال من الأحوال تجاوزها أو إلغاؤها وإلا سنخرج من نطاق مفهوم الأمة تاريخياً بالمعني الإسلامي الشمولي "إن هذه أمتكم أمة واحدة". وأعتقد بأن التشكيك في هذا النص الخالد بين الحين والآخر لا يخدم قضايا الأمة العربية أو الإسلامية لارتباط مفهومي "العرب والإسلام" ارتباطاً لا يمكن فصله بحال من الأحوال واعتماد كل منها على الآخر. [email protected]