17 سبتمبر 2025
تسجيللماذا يكون الفراغ هاجسا لدى كثير من شبابنا، ولماذا يعانون الفراغ أساسا ؟! . نعم أفهم أن الوقت بفواصله الدقيقة، يجب أن يبقى عندنا قيمة أعلى وكنزا أغلى، أما ما يثار ويعاد حول وقت الفراغ لدى الشباب، فإني أنظر له برؤية مغايرة لما هو شائع . نسمع ونقرأ كثيرا عن مشكلة وقت الفراغ لدى الشباب، حتى تحول إلى مدعاة للقلق ومبحثا يستنزف أوقاتا وجهودا وموازنات مالية باهظة . إن ما يسمى ( وقت الفراغ )، يجب أن يفهم بطريقة تختلف عما يشاع في تناول عواملها ومعالجتها ؛ فهل تعتبر إشكالية وقت الفراغ مشكلة كبيرة، أو ظاهرة اجتماعية خطيرة ؟ . ولماذا تستحوذ على هذا القدر من الاهتمام إلى درجة تحولها إلى مبحث يستدعي تصنيف المؤلفات وتأليف المصنفات ذات الصلة ؟! . الحديث حول وقت الفراغ قديم متجدد، متعدد الجوانب، لارتباطه بالنواحي الاجتماعية والتربوية والنفسية، بل والاقتصادية والسياسية . يجب تقدير قيمة الوقت بدرجة أكبر وأكثر وعيا والله أقسم بالوقت لأهميته في حياة الإنسان في عدة سور ومواضع منها في كتابه العظيم . وفي الحديث الشريف ( اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) . ويقول ابن هبيرة الوزير : والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع ويصف أمير الشعراء أحمد شوقي ذلك قائلا : دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني وإذا تأملنا حياة العظماء وقائدهم الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ندرك مدى اعتنائهم بالوقت واستثمار جزئياته بكل نافع مفيد، وأنا أعتبر أن استخدام مصطلح وقت الفراغ وهم وتضليل ليس له أساس في الواقع، والعدول عنه أولى لما له من إيحاءات سلبية، وهذه إحدى عيوب النقل عن الترجمات حيث يشير إلى المفهوم الأجنبي ( Leisure time ) ويرمز إلى وقت اللهو والفوضى وإهمال الواجبات، ونحن أمة منتجة ذات مقصد ورسالة عالمية فكيف نكون بهذا الوضع من الاستهتار والنزوع إلى اللهو والتفريط ؟! . ومما يتصل بوقت الفراغ في الدراسات النفسية الوافدة مصطلح مخادع آخر هو المراهقة، ويقابلها عندنا مقدمة الشباب وتسمى ( الفتوة )، بينما هم يفصلونها عن الشباب ويسوغون السلوكيات المنحرفة بحجة طبيعة المرحلة العمرية تلك !! . كذلك يتكرر ذكر وقت الفراغ في مواسم الإجازات الأسبوعية والفصلية والسنوية وأيام المناسبات العامة، ويسمونها عطلات وهذه تسمية خاطئة ؛ إذ ترمز للبطالة وتعطيل العمل وتأخير الإنجاز . مع اتفاقنا أن كل منا يحتاج إلى فترات من الراحة والاستجمام وتغيير الجو ليعود لبيئة العمل والإنتاج أكثر حماسا وحيوية لاستكمال مسيرة التنمية والبناء . والتخفف من أعباء وضغوط الدراسة أو الوظيفة مطلب وحاجة نفسية وبدنية، لكن ليس إلى درجة إهمال الواجبات والتكاليف الشرعية والاجتماعية . والله تعالى يوصي نبيه قائلا ( فإذا فرغت فانصب ) . وهنا يحضرني قول ابن مسعود رضي الله عنه ( إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة ) . والأصل في حياة الشاب المسلم أنه منتج منجز جاد، وليس فارغا تتلاعب به الأهواء . وكل مدار حياة الإنسان يترجم مفهوم العبودية الشاملة ( كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال ) . كما فسرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . نحن وشباب أمتنا مسؤولون عن تحقيق الهدف الأسمى من حياتنا، وهذا الهدف يجب أن تتضافر له كافة الجهود في وسائط التربية والتنشئة ( أسرة / مسجد / نادٍ ومركز شبابي / مجالس الأهل والجيران / مراكز خدمة المجتمع والعمل التطوعي ) . علما بأن الفراغ ينجم عن ترك أداء الواجب . وعلينا أن ندير أنفسنا وفق معطيات الوقت السائر قبل أن نفكر فيما يعرف بإدارة الوقت، لأن الوقت منظم وموزع على اليوم والليلة بدقة متناهية من تقدير العزيز الحكيم . والسؤال الذي يجب طرحه هنا : من أين ينشأ وقت الفراغ لدى أحدنا أو بعضنا إذا أدينا ما علينا وفق فقه الأولويات، ومراعاة المصلحة العامة . وعلى الذين يفرغون أنفسهم من أداء أدوارهم المهمة أن يتهموا أنفسهم بالفراغ، فالفراغ مشكلة الفارغين فقط . والله الهادي إلى سواء السبيل .