12 سبتمبر 2025
تسجيليحرص الإسلام أشد الحرص على تأكيد الترابط بين أفراد المجتمع، ومن الأمور التي أولاها اهتماماً كبيراً هي مسألة الجار والجوار فقد قال تعالى "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ" النساء: 36. ونلاحظ من هذه الآية المباركة مجموعة من الأوامر يأتي على رأسها الإيمان بالله وعبادته سبحانه وتعالى، وهذه الأوامر تدل على الوجوب لقوله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال: 1، فيكون هناك إلزام للمخاطبين بها، ويجب تنفيذها. فكل ما جاء بعد عبادة الله في الآية الكريمة هو للوجوب والإلزام، وهو معطوف على الأمر بالعبادة. ونركز في مقال اليوم على موضوع الجار والجيران، وهو موضوع كبير في الأهمية عند رب العالمين فقد ربطه بعبادته وعدم الإشراك به. والجيران، كما حددتهم الآية هم ثلاثة أنواع: 1. الجار ذو القربى: وهذا النوع من الجيران، إن كان مسلماً له ثلاثة حقوق تشمل حق القرابة، وحق الإسلام، وحق الجوار، وإن كان كافراً فله حق القرابة وحق الجوار. 2. الجار الجنب: وهو الذي يسكن بقربك، وبعض الأحاديث حددته بأربعين داراً من كل جانب، وهذا الجار إن كان مسلماً فله حق الإسلام، وحق الجوار، أما إن كان من غير المسلمين فله حق الجوار فقط. 3. الصاحب بالجنب: وهو الرفيق، أو الصديق في الحياة، أو العمل، أو السفر، وهو الذي يقف إلى جانبك بالمعنى المادي والمعنوي، وله الحقوق كما هي مذكورة في النوع الثاني. ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي قال تعالى عنه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (4) النجم، قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن". قيل: من يا رسول الله؟ قال "الذي لا يأمن جاره بوائقه"، والبوائق هي الشرور والآثام والإيذاء. وفي رواية أخرى "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه". وقال في حديث آخر "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ..". ومن اهتمام رب العالمين بحقوق الجار قول رسولنا صلى الله عليه وسلم "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". كل ما ذكر من أحاديث نبوية، وغيرها الكثير، تبين عظم حقوق الجار، وأن من ينتقص من حقوقه فهو غير مؤمن بالله. وقطر المسلمة تعرف حقوق الجار ولذلك فهي تحرص على الإيفاء بها. فمن هذه الحقوق: 1. حفظه غائباً: ففي العديد من المنابر الدولية كان يتم الهجوم على سياسات بعض الدول الخليجية وينبري مندوبو قطر في الدفاع عنهم أمام من يغتابهم أو ينم عليهم. 2. نصرته مظلوماً: وقطر قامت بنصرة دول الخليج في مواقع عديدة منها إبلاغهم بما يحاك عليهم، مثل البحرين والسعودية وغيرها، أو بالدفاع المسلح، مثل السعودية والكويت. 3. الصفح عنه: ومع أنه كان يحدث اعتداء على حقوق قطر، وبخاصة من الإمارات والبحرين والسعودية، إلا أننا نجد أن قطر تبادر بالصفح عنهم، بل إنها فوق ذلك تكرمهم وتعاملهم برحابة صدر. 4. إقراضه ومساعدته إذا طلب: مصداقاً للحديث "إن استعان بك أعنته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه ..". ومعروف عن قطر أنها كانت تساعد بعض الدول الخليجية، فقد سيرت البعثات التعليمية للإمارات، وكانت تمد يد المساعدة المالية لبعضها، حتى أن بعضها كان بشكل هبات وليس قروض. 5. عدم الأذية: وقطر معروفه أنها لا تبدأ بالأذية التي تعتبر عند رب العالمين من أكبر الكبائر ولكنها ترد رداً قاسياً على من آذاها والشواهد على ذلك كثيرة. وقمت أبحث عن من يراعي جاره في منطقة الخليج فلم أجد سوى ثلاث دول فقط وهي الكويت وعمان وإيران، وما نقول لهم سوى بيض الله وجوهكم لمراعاة حقوق الجيرة. أما بقية دول الخليج (السعودية والإمارات والبحرين) فنستطيع أن ندرجهم من فئة جار السوء الذين نفى عنهم رب العالمين ورسوله الكريم صفة الإيمان وذلك كما ورد بالآية الكريمة سابقة الذكر ولقول صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره "، وما نقول لهذه الدول سوى سود الله وجوهكم. لقد تفنن جيران السوء، على مر التاريخ، بغزو الأراضي القطرية، وبخاصة عندما يخلو البر القطري من الرجال في فترات الغوص، ولكن القطريين سرعان ما يأخذون بثأرهم ممن عاداهم، ولذلك نجد أن القوى العظمى التي سيطرت على المنطقة، أمثال العثمانيين والإنجليز، تخاف من القبائل القطرية، وتتحاشى الاصطدام معها، وبدا ذلك واضحاً عندما استجار جد ملوك السعودية الحاليين بقطر فقام العثمانيون بإقناعه بالتوجه إلى الكويت خوفاً من تحالف القبائل القطرية معه. إن التاريخ المعاصر لدولة قطر شهد محاولات عديدة لتحالف قوى الشر على قطر، ففي 1996 اتحدت لغزو قطر، بحجة إرجاع سمو الأمير الأب لسدة الحكم، وكان يساندهم في ذلك مصر، ولكن خاب مسعاهم. وحاولت مرة أخرى، نفس مجموعة جيران السوء، في 2014، واستنفرت قواتها، ولكن في آخر لحظة، وبطلب من ملك السعودية، تغيرت الخطة من الغزو إلى سحب السفراء. أما الفجور في هضم حقوق الجيرة فنجده قد تجلى في حصار قطر في 2017، والذي أظهر حقدهم وغلهم على دولة قطر وشعبها ورموزها، وفي هذا يقول رب العالمين (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب: 58، ولا ننسى أن الحصار تسبب في قطع أواصر عائلية، وانتهاكات لحقوق الإنسان. إن دول الحصار لم تراع حقوق الجار مع قطر، بل جعلت أبواقها تصدح ليلاً ونهاراً للإضرار بقطر ومكتسباتها، وسيرت البعثات والوفود للنيل من سمعة قطر، ولكن، والحمد لله، كلما قاموا بعمل للإضرار بقطر يفشله الله، ويجعل دائرة السوء عليهم. إن وقوف رب العالمين في صف قطر ونصرته لهم هو أن قطر جعلت هناك نصيباً مفروضاً في ثروتها تساعد به الشعوب المسلمة وغيرها، ويخرج هذا النصيب لوجه الله تعالى بدون الانتظار من تلك الشعوب لا جزاءً ولا شكوراً. والسبب الآخر في محبة الله لقطر هو مراعاة حسن الجوار والذي من ثمراته قول رسولنا الكريم "صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزِيدان في الأَعمارِ". نعم يا رسولنا الصادق الأمين فلقد زاد الرزق حتى أصبحت قطر، على الرغم من الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، من أولى دول العالم في متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي، وينمو اقتصادها بمعدلات سنوية تفوق دول الخليج الأخرى، بل نجد أن اقتصاد جيران السوء يشهد تعثراً ليس له أول ولا آخر. أما الزيادة في العمر فلقد بينت دراسات عالمية أن المواطن القطري هو أطول عمراً من بقية شعوب العالم. أما مشاريع العمران فهي، والحمد لله، تتقدم في قطر بخطى ثابتة في حين أنها عند جيران السوء متعثرة. وفي الختام نتذكر وصية لقمان الحكيم لولده في قوله "يا بني حملت الحجارة والحديد فلم أر شيئا أثقل من جار السوء". لقد عرفت قطر حقوق الجار ورعتها خير رعاية محبة في الله وطاعة له في أوامره وتصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم "خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره" وتتحاشى قطر أذية الجيران خوفاً من غضب الله لقول رسولنا الكريم "من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" ولهذا أعتقد، والله أعلم، أن مصير أهل قطر، ومن ماثلهم، إلى الجنة خالدين مخلدين فيها. والله من وراء القصد ،،