10 سبتمبر 2025
تسجيلحماية الأموال العامة وزيادة الإيرادات الضريبية بينما يبدي صندوق النقد الدولي نظرة تفاؤلية إزاء تعافي النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي ليسجل 2.4% العام الجاري 2018، وعلى أن يرتفع إلى 3% في 2019، يرى الصندوق أن عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية لا يزال يهدد آفاق النمو وبخاصة تفاقم العجوزات المالية التي نجم عنا تراكم في الديون، حيث تجاوزت نسبتها في دول الشرق الأوسط أكثر من 50% من الناتج المحلي. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، فستضطر إلى إنفاق نسب متزايدة من ميزانياتها العامة على مدفوعات الفائدة والسداد الجزئي لديونها المستحقة بدلاً من إنفاقها على الاستثمارات الضرورية في رأس المال المادي والبشري التي من شأنها دعم النمو. وفي سبيل التحوط لذلك، لا بد لدول المجلس من تبني سياسات بديلة لتخفيض العجز وتجنب زيادة نسبة المديونية. فالقيام بتخفيض النفقات أو زيادة الضرائب ينجم عنها في الغالب وقوع الضرر على أضعف شرائح المجتمع. لذلك، ينبغي تصميم إصلاحات الميزانية بدقة حتى تحقق الحماية للفئات الضعيفة اجتماعيا. ذلك أن حماية هذه الفئات تؤدي بالفعل إلى تعزيز إنتاجيتهم، وزيادة قدرتهم على الإنفاق، والحد من الجريمة والصراع، ومن ثم زيادة النمو الاقتصادي الممكن على المدى الطويل. وتتضح هنا العلاقة الوثيقة بين مفهومي النمو والعدالة. وتوضح التجارب العالمية التي قام صندوق النقد الدولي بدراستها أن النمو والعدالة يتأثران بطريقة خفض الإنفاق أو زيادة الإيرادات، بينما يتفاوت الكم المطلوب لإبقاء الدين في حدود يمكن تحملها. فالبلدان التي خفضت العجز وتمكنت في نفس الوقت من الحفاظ على الاستثمار العام حققت نموا أعلى وتوزيعاً أكثر عدالة للدخل. والحكومات التي أجرت إصلاحات في الدعم والأجور العامة وأعطت أولوية للإنفاق الاجتماعي (على التعليم والرعاية الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي) حققت نمواً أعلى على المدى الطويل ودرجة أكبر من العدالة في توزيع الدخل. وقد أوضحت الدراسات التي تناولت منطقة الشرق الأوسط أن كل دولار من موارد الحكومة يتم تحويله من دعم الطاقة إلى الاستثمار المنتج يرفع النمو بمقدار 2% إضافية على المدى الطويل. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومات التي اعتمدت مزيجاً من إجراءات خفض الإنفاق وإصلاحات المالية العامة الأوسع نطاقاً من أجل زيادة التحصيل الضريبي حققت مكاسب أكثر استدامة مما حققته الحكومات التي استخدمت إجراءات في جانب واحد. وفي حال دول مجلس التعاون وبينما تبرز الحاجة لزيادة الإيرادات الضريبية وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، لكن المطلوب هو تحقيق العدالة الضريبية بما في ذلك زيادة الضرائب على الثروة – كالعقارات والتركات والكسب الرأسمالي والأرباح الموزعة والفوائد. وعلى جانب الإنفاق، ينبغي لصناع السياسات أن يحتسبوا في الميزانية قيمة الزيادة المرجحة في تكاليف خدمة الدين وأن يعملوا على تحسين جودة الإنفاق. وفي نفس الوقت، يتعين اتخاذ إجراءات لزيادة الاستثمارات في رأس المال المادي والبشري، أو على الأقل الحفاظ على الموجود منها. وبنفس الوقت يتوجب تقوية وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية للفئات المتضررة من إجراءات الهيكلة الاقتصادية. وأخيراً ولضمان ترجمة الإنفاق على البنية التحتية إلى نمو احتوائي، ينبغي توجيه اهتمام كبير لإطار إدارة الاستثمارات العامة، بما في ذلك تقييم المشروعات واختيارها وتقييم نتائجها. ومع زيادة شفافية الحكومة ومساءلتها، يمكن تقليص فرص الفساد وحماية الأموال العامة والمساعدة في زيادة الإيرادات الضريبية. ومن شأن تحسين النظرة السائدة لمدى مساءلة الحكومة أن تؤدي إلى خفض تكلفة الاقتراض على المستوى السيادي ومستوى القطاع الخاص، مما يحقق زيادة أكبر في الاستثمار والنمو.