29 أكتوبر 2025
تسجيلفي أحد أحياء لندن الهادئة تقع الشقة رقم 79 في شارع جولستر، وعلى الرغم من الهدوء الذي يعم المكان إلا أن هذه الشقة شهدت أبشع جرائم القتل التي اهتزت لها بريطانيا بين عامي 1940 إلى 1950. وقد نفذ هذه الجرائم سفاح غريب الأطوار، كان يستدرج ضحاياه لمسكنه، ثم يجهز عليهم ويخفي جثثهم بطريقة حيرت الشرطة لمدة طويلة. لم يكن الشاب الإنجليزي وليام أندرو محظوظاً عندما اصطدم بشخص مجهول في مطعم GOAT في حي كنغيستون، وبعد أن قدم المجهول اعتذاره صحبه وليم إلى منزله لمواصلة السهرة هناك. وفي المنزل قدم وليام الرجل إلى والديه، وفي لحظة زهو لا تغتفر تحدث الشاب عن ثراء عائلته وأنهم يستثمرون أموالهم في العقارات، واستطرد كثيراً في سرد تفاصيل أصولهم وممتلكاتهم. وفجأة اختفى وليام في يوم 6 سبتمبر عام 1944، لم يعد الشاب إلى منزله ولم يعرف أحد طريقه. وكما غاب وليام فجأة، ظهر الرجل المجهول في منزل عائلة الشاب فجأة، ليخبرهم بقصة اختفاء ابنهم. لقد أخبر والدي وليام أن ابنهما فر إلى أسكتلندا خوفا من الاستدعاء للخدمة العسكرية وقت الحرب، واقتنع الوالدان إلا أنهما أصبحا فضوليين بصورة أقلقت الرجل؛ لأن ابنهما لم يعد على الرغم من انتهاء الحرب، وعندما شعر الرجل المجهول بقلق الوالدين المتزايد وربما اقتراب افتضاح أمره، قام بقتلهما بعد أن استدرجهما إلى شقته في جلوستر ثم تخلص منهما. ظلت هذه الجرائم وغيرها مثار حيرة رجال الشرطة، فلا توجد آثار للجثث، ولا أدلة تدين شخصاً بعينه، حتى قادتهم معلومة صغيرة ذكرها عامل في محل ملابس، عندما تذكر اسم شخص تسلم معطف والدة إيمي وترك بياناته لديهم، هذا الخيط دل الشرطة على أخطر سفاح شهدته بريطانيا خلال القرن الماضي. ◄ من هو هذا السفاح؟ جون جورج هايج (24 يوليو 1909 - 10 أغسطس 1949) الذي لقب بـ «القاتل بالحمض»، كان سفاحا شهيراً في إنجلترا يجهز على ضحاياه ثم يخفيهم، ولتدمير الأدلة كان هايج يقوم بتحليل جثث الضحايا في حمض الكبريتيك، وبعد أن يتأكد من اكتمال جريمته يقوم بتزوير أوراق بيع ممتلكات الضحايا الشخصية لنفسه، وجمع جراء ذلك مبالغ مالية طائلة، وتمادى السفاح في ارتكاب جرائمه تلك مدفوعا باعتقاد خاطئ، بأن الشرطة والادعاء لن يتمكنا من إدانته دون العثور على الجثث، ولكن من سوء حظه، ولأن الحق لابد أن يظهر، وجدت الشرطة دليلاً صغيراً وغير متوقع تسبب في إدانته في نهاية المطاف، وقضت المحكمة بإعدامه ونفذ الحكم، ولكن كيف قتل هايج وليام وعائلته؟ بعد أن ضيق رجال الشرطة الخناق على هايج اعترف بأنه ضرب وليام على رأسه بعد أن أقنعه بالنزول معه إلى الطابق السفلي في شقته التي استأجرها لهذا الغرض، وفور أن تأكد من وفاته، وضع جثته في أسطوانة كبيرة، ثم صب عليها حمض الكبريتيك، أغلق عليه وعاد بعد يومين ليجد أن الجثة تحللت ولم يبقَ منها إلا الرواسب التي يصبها في فتحة أسفل الأسطوانة. والمفاجأة ظهرت عندما بدأ الطبيب الشرعي في فحص تلك الرواسب ليجد 3 حصوات مرارية بشرية لم يتمكن الحمض من إذابتها، وكانت هذه الحصوات هي التي قادت هايج إلى حبل المشنقة! أدانت المحكمة هايج في 6 جرائم بالرغم من أنه اعترف بارتكاب 9، وأودع سجن واندسورث، ونفذ رئيس الجلادين ألبرت بيرونت الحكم على هايج في 10 أغسطس 1949 لتتخلص الأرض من مجرم خطير عديم الرحمة. من المؤكد أن العالم لن ينسى تاريخ 2 أكتوبر 2018 حيث وقعت في هذا اليوم واحدة من أبشع الجرائم التي تتعدى في بشاعتها ما يفعله السفاحون التقليديون. لن تنسى ذاكرة الشعوب ما حدث بقنصلية السعودية التي دخل إليها المواطن السعودي جمال خاشقجي، رحمه الله، لإنهاء معاملة مهمة لإتمام زواجه ولم يخرج. ما يجمع شارعي جولستر البريطاني وليفينت بسيكتاس التركي هو الهدوء ذاته، ولكنه السكون المملوء بالصخب الذي يخفي جرائم بشعة، تؤكد أن من قام بها ونفذها هو مجرم بلا رحمة ولا دين. وبينما كان وليام ووالداه ضحية طمع وجنون سفاح مهووس يدعى هايج، نجد أن قتلة خاشقجي مجرمون حكوميون رسميون، طُلب منهم تنفيذ المهمة، فنفذوا وقطعوا وأذابوا وعادوا وهم يحملون زجاجات الخمور من ثلاجة الفندق، وحقائب مملوءة بالمكسرات والحلويات التركية اللذيذة، وكأنهم كانوا يتنزهون في تقسيم والسوق القديم. ربما تكون قشة خاشقجي هي التي ستقصم ظهر بعير الرياض، ولكن يبدو حتى هذه اللحظة أنه يكابر، وسيقدم في سبيل «النفاد بجلده» الكثير من الكباش والقرابين، وسيعدم بعضهم ويخفي الآخر حتى يمسح أي دليل يدينه. ولكن أصغر طفل في العالم يعرف مَن أمر بالقتل، وأن فريق الاغتيال الحكومي السعودي لم يكن يتصرف أو «يقدح» من رأسه، خصوصاً وأنها ليست المرة الأولى التي يرتكب فيها صاحب المنصب الكبير جداً جداً جداً جريمة من هذا النوع. المسؤول الكبير جداً جداً جداً يعيش أسوأ أيامه؛ فهو يعلم أن القاتل يُقتل ولو بعد حين.