14 سبتمبر 2025

تسجيل

الخليج ينتصر لنفسه

18 نوفمبر 2014

حسنا فعل قادة دول الخليج البارزين وعلى رأسهم الملك عبدالله بن عبد العزيز حينما أيقنوا أن الاختلاف السياسي لا يمكن أن يتحول إلى خلاف يقطع الودّ ويخرق السفينة الآمنة لبلادهم فقرروا طي صفحة الخلاف الذي سبّبه الاختلاف في وجهات النظر ما بين الدوحة وبقية الشقيقات من العواصم السياسية تجاه قضايا سياسية تخص العالم العربي، رأى البعض أنها تؤثر عليه، لذلك فإن الحقيقة هي أن عودة السفراء إلى الدوحة ليس هو المهم بقدر أهمية الإرادة الحقيقية لإعادة إنتاج العلاقة بين دول الخليج على أسس من التعاطي المحترم وتقديس الخصوصية السياسية لأي دولة بينهم، وعدم التذرع مستقبلا بمشاكل مصر وسوريا والإخوان المسلمين وغزة لتأجيج الخلاف الذي يعشقه البعض.عندما سحبت الدول الشقيقة سفراءها من الدوحة ورغم أنه لم يكن قرارا جماعيا بقدر ما هو قرار مجاملة، كاد بعض السياسيين الكبار في العالم العربي وفي إسرائيل وإيران أن يخرجوا إلى الشوارع ليرقصوا فرحا، ظنا منهم أن إسفين الانشقاق قد اخترق البناء الخليجي وانتظروا الفرحة الكبرى بانهيار الإتحاد الخليجي، خصوصا عندما كانت تصريحات أحد وزراء الخارجية تروج إلى رؤية شاذة تقول إن المجلس لم يعد مرغوبا فيه، ثم هاهي الأيام وقد تكفلت بصفع وجوه كل المغرضين والمندسين في حضن أعداء الأمة العربية، بعد قمة الرياض أول أمس.إن دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للاجتماع الطارئ رغم أهميتها فإن هناك ما هو أهم وهو الروح المعنوية العالية لدى الأمير تميم بن حمد آل ثاني وأركان الدولة الذين لم تأخذهم العزة بالإثم، فتعاملوا مع القرار على أرضية اختلاف وجهات نظر وخلافات إخوة وسحابة صيف، ولم يغلّوا أحد ولم يفجر، وبقي الباب مفتوحا للحوار والتعاطي السياسي، والزيارات الأميرية وهذا ما قطع على الطريق على المتربصين لنسف البيت الخليجي ودحرهم إلى جحورهم، وتلك أعلى مستويات الحرفية السياسية في التعاطي مع الأزمات.لا شك أن الفترة السابقة من العلاقة الرمادية بل والضبابية التي غطت أجواء الخليج، كانت فرصة لا تعوض استخدمتها محاور الشر في إذكاء الخلافات، وتأجيج المشاعر، وتأليب الرأي العام، ولكن بفضل الله فقد انقلب السحر على أهله، فالرأي العام العربي قد كشف وعرف من يعمل لصالح أمته ولو بالحد الأدنى، ومن يعمل لمصلحة الأعداء ولو بالتصريحات والبيانات ولوائح الممنوع والمسموح، وللعلم فإن المستفيد من فترة الحرب الباردة السابقة والقطيعة المؤقتة كانتا إيران وإسرائيل، فيما خيبت مصر آمال من رانوا عليها كقوة تستطيع أن تحمي بلادها قبل بلاد الآخرين.إن أكبر قنبلة انفجرت في حضن العرب كانت الاجتماعات السرية بين المسؤولين الإيرانيين ومندوبي الدول الكبرى الست بخصوص الأمة النووية والتي تم الكشف عنها لتتحول إلى اجتماعات علنية، شارك فيها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وكاترين آشتون المسؤولة السابقة في الإتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني محمد ظريف، وهذا ما قلب الموازين وأيقظ البعض من الغفلة التي كانوا يعمهون فيها، فعمان الدولة الخليجية لم يكن أحد ليرغب في أن تكون معينا لدولة تشكل سياستها خطرا محدقا على الخليج قبل كل شيء.إن التفكير العاقل وتغليب مصلحة دول الخليج واتباع سياسة الابتعاد عن التحرش السياسي والتمحور ضد الأشقاء هو بلا شك أحد أهم أسباب زعزعة الاستقرار في العالم العربي المنشغل بإنتاج الخلافات الجانبية وغير المهمة، وعلى القادة والمسؤولين في دول الخليج أن يعوا تماما وهم بالفعل يعون تماما أن أحد أهم قوتهم هو في إتحادهم واتحاد إرادتهم لبناء قوتهم الذاتية وفهمهم الجيد أن أي خطر يهدد دولة واحدة منهم هو بلا شك خطر يهدد الجميع.من هنا فلأي دولة فيما بعد أن تقرر سياستها الأمنية الداخلية وأن لاتتفرض نظرياتها في الأمن السياسي على الجميع، فما تراه عاصمة ما خطرا عليها ليس بالضرورة أن يكون خطرا على الأخرى، لذلك يجب أن لا ينصّب أحد ما سياسته وصيّة على الآخرين ليجبرهم على فرض لوائح الإرهاب ضد تنظيمات سياسية لا يرغب بها، خصوصا أن الإرهاب وأهله بات واضحا للجميع، والخطر الأكبر هو إسرائيل وسياساتها ضد الفلسطينيين والقدس، ثم الخطر التالي وهو الحرب على البلاد العربية وأهلها التي تقوده النظرية الإيرانية الجديدة، المتلخصة في التمدد خارج دولتها بواسطة عملائها واستخباراتها وسفاحيها في العراق وسوريا واليمن.. الخليج انتصر والدوحة قادمة.