28 أكتوبر 2025

تسجيل

العربة.. والحمار

18 أكتوبر 2023

في صباح يومٍ ما، وقف الحمار الذي أنهكه التعب متهيئا لسيده الفلاح كي يضع على ظهره سرج العربة الثقيلة التي يجرها كل يوم إلى سوق القرية محملةً بما تجود به أرضه من غلال، وقد صادف في تلك اللحظة أن مرت من أمامه عربة يجرها حمار آخر يبدو عليه النشاط والتفاؤل لدرجة أنه يمشي مزهوًا كالحصان مما أثار العجب والتساؤل لدى حمار الفلاح عن سر سعادة ذلك الحمار. التقى الحماران في سوق القرية، فسأل حمار الفلاح ذلك الحمار السعيد عن سر سعادته، فقال: إن سيدي أهداني العربة وسجلها باسمي، كما صنع بعض الفلاحين في القرية مع حميرهم، فأنا أملك هذه العربة وذلك سر سعادتي ومحبتي لسيدي، فأعجب حمار الفلاح بالفكرة التي ستجعله مالكًا للعربة وستغير مجرى تاريخ سلالته. وعندما عادوا من السوق، استحضر حمار الفلاح عزيمته ورباطة جأشه وأخبر سيده عن رغبته بأن تسجل العربة باسمه اسوة بباقي الحمير، نظر الفلاح إلى حماره نظرة لئيم دون أن ينبس ببنت شفة، فكر قليلًا، ثم أومأ برأسه واعدًا إياه بالذهاب معه في الغد إلى قاضي القرية لتلبية طلبه. وفي اليوم التالي ذهبا إلى قاضي القرية، وهناك سأله القاضي عن سبب اصطحاب الحمار إلى دار القضاء، فقال له الفلاح أريد أن تحرر لهذا الحمار الوفي ورقة تثبت فيها ملكيته للعربة بالصيغة التي سأمليها عليك، قال القاضي: تفضل ماذا تريدني أن أكتب في هذه الورقة، قال الفلاح وهو ينظر لحماره بابتسامة صفراء: أكتب بأن العربة ملك لهذا الحمار وأن الحمار والعربة ملك لسيدهم، فتهلل وجه الحمار سرورًا وانتفش جسده ودب في أطرافه عنفوان الحصان بل تخيل نفسه حصانًا بالفعل. أخذ الفلاح الورقة بعد أن ختمها القاضي وجعلها في عنق الحمار الذي انطلق يجر العربة رافعًا هامته وناصبًا ذيله وهو يهرول بسعادة وهمة ونشاط لم يعهدا عنه من قبل. وبعد أيام، ومع تزايد أعداد الحمير الذين يملكون العربات، انقلب حال القرية واعتلت اصوات الحمير وشكلوا اتحادًا فيما بينهم وأعلنوا العصيان، فما كان من اسيادهم إلا أن قرروا بيع الحمير العاصية واستبدالها بحمير مطيعة تجر العربات إلى السوق في الصباح وتأتي بالمال إلى اسيادها في المساء. وبعد هذا الدرس القاسي وقف حمار الفلاح خطيبًا في قومه وقد جرت على لسانه الحكمة بعد فوات الأوان فقال: كان علينا أن نفكر في حريتنا قبل أن نفكر في امتلاك العربات، فعندما نكون أحرارًا لن يعيبنا الفقر، أما عندما نكون مماليك سنظل نجر العربات حتى لو ملكنا الدنيا.