11 سبتمبر 2025
تسجيلأخيرا أعلنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي صباح الإثنين، معركة لا هوادة فيها لما وصفها تحرير الموصل، ومعركة "العبادي والنجيفي" بدأت بدعم واضح من المستشارين الإيرانيين والأمريكيين وقواتهما،بعد أوامر نائب وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" للعبادي والبرزاني ليتفقا على مسودة المعركة وحكم الموصل مجددا، ومع انطلاق المعركة ينطلق عداد الزمن المتسارع لقرب وقوع كارثة جديدة ستحل بالمدنيين والعائلات في مدينة الموصل وأقضيتها وتدمير بنائها الحضاري والسكني وتشريد مئات الآلاف من العائلات مجددا بعد الكارثة الأولى على يد التنظيم إن ما يخشاه العالم المتحضر وكذلك الأمم المتحدة ورغم التطمينات الرسمية من بغداد،هو أن تعيد قوات الحشد الشعبي الطائفي،بقيادة أثيل النجيفي، التذكير بمجازرها ضد المدنيين بناءً على روح الانتقام الشريرة المسكونة في ذلك البلد منذ سقوطه بيد المحافظين الجدد بقيادة جورج بوش، ثم يد المحافظين الشيعة الجدد الذين ارتكبوا الفظائع في محافظة الأنبار ونينوى وصلاح الدين ولم يحاسبهم أحد، ولننتظر لنرى الموصل ما بعد داعش، فالأمم المتحدة أعلنت قلقها من مصير مليون ونصف مليون مدني، ولكن تجربة تحريرالمدن السابقة لا تعطي أي أمل بتغيير عقلية القيادات الراديكالية هناك.مدينة الموصل هي ثاني أكبر المدن العراقية سكانا، وليس فيها جدال عظيم مبني على النزاع الطائفي، فغالبيتها العظمى من السنة، ولعلها الواجهة العراقية الأكثر إهمالا منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وحكم بريمر ثم الحكم الطائفي الذي أعاد العراق مئات السنين إلى زمن التخلف والفقر وحمامات الدماء،وجعل من العراقيين السنة فئة مُحبطة ومنطوية على ذاتها بعد تمثيلهم بأشخاص انتهازيين ولصوص ومتعاونين مع سلطات الاحتلال وسلطات بغداد المؤتمرة بإمرة القادة الإيرانيين الذين يتحكمون بكل مفاصل القرار الداخلي لمنظومة الحكم في عراق ما بعد صدام حسين،حتى وصل الأمر بالمدينة الجميلة أن تقع بكل سهولة بيد تنظيم داعش، بعد أن استولى طواعية على أسلحة ثلاث فرق للجيش العراقيإن الأهمية الاستراتيجية لمدينة الموصل ودورها التاريخي والجغرافي، جعلها هدفا للدول التي نشأت في إيران منذ زمن بعيد، بل إن هناك ما هو منسي عند البعض، وهو أن الموصل كانت أحد الحصون الكبرى للحكم العثماني في العالم العربي مقابل الدولة الصفوية التي احتلت أجزاءُ من العراق ومنها بغداد و الموصل ولكن السلطان سليمان القانوني حررها بعد ثلاثين عاما وتم دحر محاولات غزوها من قبل الجيوش الصفوية، ولهذا حذّر الرئيس التركي رجب أردوغان من كارثة قد تحل بالسكان المدنيين في الموصل إذا أعاد الجيش العراقي والحشد الطائفي "إستراتيجية التطهير" ضد السكان، فسيلجأ غالبية المدنيين الى تركيا، وسيثبت الهدف الأصلي بأنه ليس طرد الإرهابيين بقدر ما هو معاقبة السكان كما جرت العادة.إن المشكلة الكبيرة في تعاطي حكومة بغداد مع المواطنين العراقيين من غير الشيعة، تتبعها مشكلة أكبر وهي الصمت الدولي والعربي عن السلوك المشين الذي يتبعه السياسيون والعسكريون والمرجعيات الدينية وقادة الجيش والمليشيات الطائفية ضد السكان في المناطق السنية، فالجرائم ترتكب وعمليات القتل الممنهج تزداد والتهجير قبل وبعد دخول القوات للمدن تستمر، ولا أحد يتم محاسبته، في مشهد يشبه صراع الحيوانات المتوحشة في الغابات المخفية،وهذه الصورة لا يمكن استثناء الموصل منها، فطائرات التحالف تقصف بشكل أعمى في الفترة الأخيرة،والجيش العراقي إلى جانب المليشيات ستدمر المدينة، فيما العدو المعلن وهو تنظيم داعش لن يخسر أي شيء ما دام أنه يتحرك أينما أراد.الموصل هي الشبيه المتعدد لكل المدن والمناطق السنية في العراق أو حتى سوريا، فالمدن الساقطة أمنيا منذ الغزو الدولي للعراق 2003 تقع تحت سيطرة الجماعات المتطرفة والإرهابية المدعومة عسكريا وتسليحا من جهة ما لا أحد يريد أن يخبرنا عن هويتها، وذلك بسبب ضعف الحكومة المركزية في بغداد وفي دمشق وانطوائهما على تحقيق الأمن العسكري في العاصمتين لإبقاء الروح في رأس منظومة الحكم، وتقسيمهما بين الولايات المتحدة للعراق وروسيا لسوريا،ولكن المشكلة أن الإستراتيجية المعروفة هي تدمير المدينة للبحث عن زعماء الأشباح الإرهابيين الذين يمكنهم الانتقال بسهولة دون أن تصلهم الصواريخ الذكية التي لا تفرّق بين أطفال ونساء أبرياء وبين مقاتلي داعش المتجولين.في قراءة لكل المحاولات الدولية للقضاء على تنظيم داعش نستنتج احتمالين: الأول يتعلق بالإرادة الحقيقية للدول الكبرى وهي الولايات المتحدة وروسيا، والتي لا يبدو أنها تتركز للقضاء على التنظيم بشكل نهائي، والثاني هو الهدف المعلن دائما من قبل الحكومة العراقية الذي يدعي محاربة التنظيم ولا يتحقق ذلك بشكل حقيقي ونهائي، فغالبية الضحايا هم من المواطنين السنة الأبرياء الذين يدفعون ثمن خلافات وأحقاد تاريخية،وهذا ما يستدعي تشكيل فريق مراقبة أممي من مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ولجنة التراث العالمي ومنظمة الصحة العالمية، وإشراك تركيا في مراقبة العمليات العسكرية في الموصل، ومنع دخول أفراد مليشيات الحشد الطائفي إطلاقا للمدينة، وغير ذلك ستقع كارثة إنسانية وحضارية كبرى هناك دون أي مساءلة، وسيخرج البغدادي من مكان بعيد ليحشد من جديد، وتستمر الكوارث على تلك الأرض من جديد .