19 سبتمبر 2025
تسجيلبدأت الإشارات الصادرة عن البنوك المركزية حول العالم تشير إلى أن أسعار الفائدة قد وصلت إلى ذروتها. وشرعت فترة الارتفاعات المستمرة، من قرب الصفر إلى نطاق 5% - 6% منذ بداية عام 2022، في إحداث تأثير ملموس في الاقتصاد العالمي. وقد كان هناك فارق زمني، وهو أمر لا مفر منه، والآن يعمل صناع السياسات على الموازنة بين مخاوفهم بشأن التضخم والاعتراف بأن رفع أسعار الفائدة بقوة قد يدفع الاقتصادات إلى الركود. وقد عكست بيانات التوظيف الواردة من الولايات المتحدة في أوائل شهر سبتمبر مؤشرات مشجعة بأن القرار التالي (يوم الأربعاء القادم 20 سبتمبر) بشأن أسعار الفائدة الفيدرالية سيكون تثبيتها وليس زيادتها. وأظهرت هذه المؤشرات تباطؤ سوق العمل، مع ارتفاع معدلات البطالة، ولكن بشكل طفيف فقط، مع الاستمرار في توفير فرص عمل جديدة. وكان معدل نمو الأجور الشهرية بنسبة 0.2٪ أقل من المتوقع. وقد انخفض معدل التضخم، وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى أعلى بقليل من 3% في شهر يوليو، وهو معدل أعلى قليلاً من المعدل المسجل في شهر يونيو، ولكنه أقل بكثير من أعلى معدل مسجل كان قد بلغ 9.1%. وتحمل البيانات الجيدة نسبيًا الأمل في أن يتمكن صناع السياسة من كبح جماح التضخم دون التسبب في حدوث الركود. وفي الاجتماع السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي عُقد في مدينة جاكسون هول بولاية وايومنغ في أواخر شهر أغسطس الماضي، أشار رئيس المجلس جاي باول إلى احتمال رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، لكنه أضاف أن "الرفع المبالغ فيه قد يؤدي كذلك إلى إلحاق أضرار غير مبررة بالاقتصاد". وخلال فترة كبيرة من العام الماضي، كانت هناك تركيبة مختلطة وغير اعتيادية من المؤشرات الاقتصادية، حيث شهدت بعض الأسواق نموًا، ولم يكن الحال كذلك في غيرها من الأسواق، وتباينت معدلات التضخم. لذا، فإن البيانات الأخيرة الأكثر هدوءًا مثلت ارتياحًا للكثيرين. وإذا كان هذا الخبر سارًا، فقد خففت منه التوقعات الأكثر قتامةً على المدى المتوسط، حيث يرى أغلب الاقتصاديين أن أسعار الفائدة المرتفعة نسبيًا سوف تستمر، ويتوقعون أن النمو سيكون أقل في عام 2024 مقارنةً بعام 2023. وباتت عوائد السندات طويلة الأجل أقل من العائدات قصيرة الأجل، ويتوافق منحنى العائد المقلوب"inverted yield curve" عمومًا مع ظروف الركود. ورغم أن أسعار الفائدة الفيدرالية قد لا ترتفع أكثر من ذلك، فمن غير المرجح خفضها حتى يصل معدل التضخم إلى النسبة المستهدفة وهي 2% أو يقترب منها. ويزعم البعض أن هذا المعدل منخفض للغاية، وأن معدل التضخم المستهدف بنحو 3% من شأنه أن يساعد على إيجاد توازن أفضل بين السيطرة على التضخم والنمو الاقتصادي. ولكن من غير المرجح أن يتغير المعدل المستهدف في المستقبل القريب. وبالنسبة للوضع في دولة قطر، يتمثل التحدي في أن الاتجاهات المحلية تختلف عن المؤشرات العالمية، رغم أن العملة القطرية مرتبطة بالدولار الأمريكي، وهو ما يجعل معدل الفائدة كذلك مرتبطًا بالدولار. كما أن معدل النمو والتضخم في البلاد منخفضان. وكان هناك تباطؤ اقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم بسبب النهاية الحتمية للطفرة التي شهدتها السياحة قصيرة الأمد وبرامج البنية الأساسية التي سبقتها. ومع ربط العملة بالدولار، لم يكن أمام مصرف قطر المركزي خيار سوى اتباع الزيادة الأخيرة في سعر الفائدة في يوليو، وهو ما فعله بالفعل. وزاد سعر الفائدة على الودائع بنسبة 0.25% وصولاً إلى 5.75%، كما ارتفع سعر الإقراض بنفس النسبة وصولاً إلى 6.25%. كما رفعت اقتصادات خليجية أخرى أسعار الفائدة في شهر يوليو الماضي. ولا يُمثل ارتفاع أسعار الفائدة وضعًا مثاليًا لاقتصادات الخليج، في ظل انخفاض معدل التضخم وتراوحه في حدود 2.1% - 3.3٪، وهو معدل أقل من المعدلات المسجلة في العديد من الاقتصادات الغربية. لذا، ستكون هناك حاجة إلى اتباع تدابير تحفيزية إضافية. وقد اتخذ مصرف قطر المركزي إجراءات لحماية المواطنين من التكاليف الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة. وكان للزيادة التراكمية بمقدار 3.75% في الأشهر الثمانية عشر بين بداية عام 2022 ومنتصف عام 2023 تأثير كبير. وقد أعلن المصرف عن تطبيق إعفاء من الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة للقروض الاستهلاكية للمواطنين وأيضاً على التسهيلات الائتمانية للقطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد، ومن المتوقع أن تتحمل البنوك التكلفة. وبينما ستتكبد البنوك هذه التكلفة، إلا أنها كانت قد حققت أرباحًا جيدةً خلال الفترة السابقة. وعلاوة على ذلك، فإنها ستستفيد من النشاط الاقتصادي الإضافي الذي تهدف هذه التدابير إلى دعمه. لذا، فإن هناك مصلحة اقتصادية عامة. وهذه خطوة عملية من شأنها أن تساعد في الحفاظ على القدرة الشرائية الاستهلاكية والتنمية الاقتصادية. وفي حين أن حماية قطاعات الاقتصاد من زيادة أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس قد لا يكون لها تأثير كبير في حد ذاتها، إلا أنها مؤشر مطمئن على أن صناع السياسات يدركون المخاطر التي يتعرض لها النمو الاقتصادي بفعل ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة، كما يدركون الحاجة إلى دعم الاقتصاد عن طريق السياسة النقدية وأيضا السياسات المالية من خلال زيادة الإنفاق والاستثمار الحكومي.