17 سبتمبر 2025

تسجيل

علمتني النكسة

18 سبتمبر 2019

.. كنت حريصاً على اقتناء الصحف المصرية «آخر ساعة» و«المصور» بشكل أسبوعي، ولم يكن هناك بدٌ من نقد الذات والبحث في أسباب الهزيمة؛ فكنت قارئاً نهماً لصحوة الشارع المصري من اغواء الإعلام الزائف. وكنت متابعا لمحاكمة المشير عامر حتى انتحاره أو اغتياله كما يشار إليه بعد ذلك من قبل البعض المشكك. كما كنت محايثا لعودة عبد الناصر ولكن بأقل كاريزماتية في النفس من ذي قبل مع كل الحب، ولكن موضوعية القراءة جعلت مني أَميل إلى التيقن مني إلى حماسة الخطاب وعاطفيته. لم تكن الدوحة ساعتئذ قبلة للصحافة ولا لدور النشر اللهم سوى عدة مجلات مصرية ولبنانية اذكر منها الحوادث وكويتية وبعض الصحف العربية اليومية التي تصل متأخرة وتفقد بالتالي حتى قيمتها الإخبارية. وعيت كذلك من خلال القراءة بوجود ما يسمى معارضة وبالخلاف السعودي المصري قبل الأزمة وأسبابه، كل هذه الأمور لم تكن واضحة لي قبل القراءة بالشكل الموضوعي. كان خطابا واحدا موجها نحو مواطن عاطفي أسرته الكاريزما وملك الحلم العربي كل جوانحه. بعد تلك الفترة رجعت أبحث عن كتب قديمة كان لها تأثير لم نشعر به نحن هنا في هذه المنطقة ساعتها؛ مثل كتاب «معالم على الطريق » لسيد قطب. علمتني النكسة ألا أقرأ باتجاه واحد ولا أتخذ موقفا من خلال كتاب واحد ولا حتى من كتابين لم أطلع على الآخر المخالف ليتكون لدي الرأي من وضوح الطرفين والحجتين. علمتني النكسة أن أقرأ مجتمعي قراءة نقدية ذات قيمة مضافة. علمتني النكسة أن أقرأ الأسباب لا النتائج. علمتني القراءة كذلك ألا أحكم على الأمور دائما بالصح أو بالخطأ، علمتني القراءة أن هناك حكما آخر هو الحكم الاجتهادي الذي يؤخذ فرديا كاجتهاد؛ فلا نتقاتل والأمر لا يتعدى كونه اجتهادا. بعدها اُصبت بداء القراءة فكنت أقرأ حتى صفحة الوفيات والأفراح والمفقودين وأن أبدأ بالصفحة الأخيرة قبل الأولى لإيماني بأن الأمور بخواتيمها. قرأت ما كان ممنوعا في مدارسنا ساعتئذ مثل النظرية الماركسية ووجدت لو أنها تُركت لتقرأ لقل وربما اختفى بريقها. ماذا بعد ؟ هل كانت الأزمة انفراجاً ليس فقط لإسرائيل وإنما حتى لبعض الأنظمة العربية التي تآمرت حيث كانت تعتبر المد الناصري تهديداً وجودياً وتأليبا للشعوب عليها؟. تعلمت أن أحترم التاريخ وشخوصه وأن أحكم عليه بظروفه. لقد كانت فترة مصيرية بالنسبة لي على الرغم من تكلفتها الكبيرة على الأمة، فلذلك فإنني لا أزال أعيش وخز الضمير الذي ربط تحول حياتي بجرح الأمة الكبير، إلا أن التاريخ درس لمن يستلهمه في أي ساعة وتحت أي ظرف. [email protected]