11 سبتمبر 2025

تسجيل

نجاح قطري.. لماذا؟

18 سبتمبر 2018

انتشار ثقافة المعارضة الهجومية على حساب النصح والتعاون والنقد ظاهرة غير صحية  لكل جيل اهتمامات مختلفة وفكرة قمع الشباب بإعادتهم للماضي لم تنجح مع أي جيل صراع الأجيال في المجتمعات باق ما بقي بعض أفراده منغلقين على أنفسهم وعلينا ردم الهوة  لماذا تنتشر السخرية من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي؟ تابعت عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فعالية "نجاح قطري" التي أقيمت الأسبوع الماضي، وكيف أنها لقيت هجوماً عنيفاً من بعض المثقفين والرواد ولقيت ترحيباً من فئة كبيرة من الشباب، بل حظيت بدعم حكومي غير مسبوق متمثلاً في حضور رئيس مجلس الوزراء ، ووزير الثقافة والرياضة ، ورئيس اللجنة الأولمبية. لست بصدد تفصيل الفعالية والرد على المدح أو القدح،  لكني من واقع خبرة طويلة في تنظيم الفعاليات على كافة المستويات أرى أن كثيراً من الكتاب والمسؤولين والمثقفين حملوها ما لا تحتمل، فمنهم ما ذهب للهجوم على سبب اختيار بعض الضيوف أو المتحدثين، ومنهم من هاجم الاسم، ومنهم من طالب بأن تكون الفعالية للرواد وأصحاب الخبرات في المجتمع ليستفيد منهم الشباب. الحقيقة أن أغلب ما قرأته من نقد لهذه الفعالية التي لا أعرف منظميها ولم أحضرها شخصياً كان ينم عن شيئين أساسيين، الأول كان في ثقافة صراع الأجيال المترسخة لدى الكثير وخاصة الغارقين في الوسط الثقافي، والثانية الجهل بعالم الفعاليات وتنظيمها. سأبدأ بالثانية، وهو الجهل بعالم الفعاليات، فهذه فعالية أقامها مجموعة من الشباب، للشباب، وبالتالي فإن ما حدث فيها من أمسيات شعرية وفقرات كوميدية وجلسات خفيفة لا تقدم "الفائدة العلمية الكبرى" في وجهة نظر البعض أمر عادي، وذلك لعدة أسباب: 1 — هذا الجيل وهذه هي اهتماماته، وهذه الفعالية خصصت لمثل هذه الأنشطة، وعلينا ألا نضغط على الشباب ونطالب بأن تكون كل فعالياتهم غارقة في الفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والماورائيات. 2 — السخرية من اختيار الأسماء أمر غير مقبول، فكل منظم يختار الحضور وفق أهدافه المرسومة سواء كانت التسويقية أو الفنية، ويمكن لأي مؤتمر علمي أن يقام دون أن يحضره أحد لأنه لم يحضر عالم "نجم" بل حتى في الفعاليات الدينية كانت المؤسسات الخيرية والرسمية تستقطب "نجوم الدعاة" من أجل "أموال الرعاة" والحضور الجماهيري. 3 — هذه فعالية خاصة، أقامها مجموعة من الشباب، اتبعوا الإجراءات وحصلوا على الترخيص الرسمي، واختاروا أنشطتها وبحثوا عن رعاة لها، وبالتالي لا دخل لأحد في ما يقام فيها طالما التزموا بالقواعد الدينية والأخلاقية والرسمية للمجتمع، ولا يمكن تحميل الدولة محتواها أو أي خطأ ينتج عنها. 4 — من غير المنطق أن نطالب بمشاركة الرواد أو أصحاب الخبرات "وغالباً يقصد بهم كبار السن" في ملتقى شبابي صرف، أو حتى تكريمهم لأن هذا المقام ليس لهذا المقال، ومن يرى أن هناك قصوراً في فعاليات تكريم الرواد، أو يرى أن هناك من هم أكثر خبرة وعلماً من هؤلاء الشباب ويستحقون أن تقام لهم فعالية، فيدنا بيده، يمكن اتباع خطوات الشباب وإقامة فعاليته الخاصة ودعوة وتكريم من يشاء. 5 — في عالم الفعاليات هناك أهداف ظاهرة وأهداف خفية لكل منظم، مثل أن تكون الأهداف الخفية: الربح المادي، أو تحقيق الشهرة للمنظم أو شركاته، ولسنا هنا للدخول في هذه الأهداف، بل علينا أن نركز على الظاهر وفق قواعد الفعاليات ونجيب على أربعة أسئلة أساسية: أ‌ — هل حققت الفعالية الأهداف المطلوبة منها لمنظميها والمشاركين فيها والرعاة؟ نعم ب‌ — هل حققت الفعالية الحضور الجماهيري المتوقع؟ نعم ت‌ — هل حققت الفعالية نجاحاً إعلامياً وترويجياً؟ نعم ث‌ — هل كانت أفضل من النسخة السابقة؟ نعم ومع هذه الإجابات الأربع، يمكن القول ان ما يدور عن هذه الفعالية ناتج لصراع الأجيال ليس إلا، فالسخرية من الستاند أب كوميدي والمقاهي كان من هذا الباب، فأنا أحيي دعم شباب الكوميديا، بل أطالب وزير الثقافة بإنشاء نادي الكوميديا واحتضان هذه المواهب، والمقاهي هي مشاريع الشباب التي يجب أن ندعمها. مع تحفظي الكامل على تسمية الفعالية "نجاح قطري" لأنه يجب ألا تعطى تصاريح لأي فرد أو مؤسسة خاصة تحمل اسم الدولة، كما أشارك بعض من تحدث بمنطق في نقد الفعالية أن الحدث يجب أن يكون أكثر تنظيماً من الناحية الفنية بحيث تكون صورة أحداثه واضحة ودقيقة وتشمل قطاعات شبابية أكبر. أما فكرة صراع الأجيال فهي باقية في كل المجتمعات ما بقي فيها أفراد منغلقين على التاريخ، يعتقدون أن المستقبل هو حاضرهم الذي كانوا يعيشونه في الماضي، رافضين لأي جديد، متهمين كل جيل بنفس الاتهامات التي تلقوها من الجيل السابق وإن تغيرت الصياغة. أذكر جيداً كيف كان ينعتنا كبار السن بجيل الإنترنت عندما ظهر الإنترنت في العالم، وكيف أن جيل الإنترنت اليوم ينعت الشباب بجيل التواصل الاجتماعي. الحقيقة المؤلمة التي لا يريد الكثيرون الاعتراف بها أن هناك حجما من الغيرة أو الصدمة بالنسبة للاجيال الماضية، التي ترى أنها تعبت واجتهدت لكنها لم تحصد ربع ما يحصده شباب اليوم بأقل جهد، وهذا أمر طبيعي نظراً للتحولات المجتمعية والدولية في كافة المجالات، لكن العيش في الماضي يجعل التعايش مع الجديد صعبا جداً خاصة إن لم تكن قادراً على اللحاق به، وهنا أتذكر كيف أن فضيلة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي كان سباقاً بإطلاق موقعه الإلكتروني في الوقت الذي كان بعض العلماء يحرمون استخدام الإنترنت. إن ما يميز جيلاً عن آخر هو طبيعة نظرته لعالمه ولمجتمعه وتفاعله مع المتغيرات حوله، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في قوله: "اعلم أن اختلافَ الأجيالِ في أحوالِهم، إنما هو باختلاف نِحلَتِهم من المعاش". اختلف مع مصادرة حق الشباب في التعبير عن أنفسهم، وأرفض تسفيه ما يقدمونه للمجتمع باعتبار أن الصواب هو "ما نراه نحن فقط"، وأرى أن انتشار ظاهرة المعارضة الهجومية على حساب النصح والنقد الفني القائم على أسس أو التعاون والتوجيه ظاهرة غير صحية، وصلت في مراحل معينة للتشهير وأبواب المحاكم، وعلى الجيل الذي يرى أنه "حارس للبوابة" أن يحترم لغة الحوار، واختلاف الرؤى، وقواعد النقد والنصح، فلا شاب سيستمع لكبير يهاجمه مهما كان السبب، وهذه من قواعد التربية. وأشير إلى ظاهرة غريبة يقوم بها بعض الإعلاميين أو الكتاب أو حتى بعض المسؤولين، وهي ظاهرة تسفيه وتحقير الشباب المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه عقلية لا تستحق النقاش لولا أنها زادت في الآونة الأخيرة ويجب أن يرد عليها، فهذا الفعل المقيت والجديد على مجتمعنا غير مقبول، طالما التزم الشباب بأدب الطرح وإن تنوع المحتوى، حتى ولو كان المحتوى كله خارجاً عما يريده "سعادة المثقف" أن يطرح، هم أحرار فيما يطرحون، وإن أخطأوا فإن كل من يعمل يخطئ، وكل منتج محتوى يخطئ، والتصيد عادة سيئة يجب ألا تنتشر في مجتمعنا، بل علينا أن ندعم المصيب، وننصح المخطئ. أذكر كيف أنني كنت أحد المنظمين لمنتدى النهوض باللغة العربية وكيف أن كبار العلماء والأساتذة سخروا بشكل سييء من طرح الشباب في جلسة الشباب، فنتج عنها خروج كل فريق من باب مختلف دون أي اقتناع، وكيف انني ذات يوم حضرت متحدثاً في مؤتمر شبابي ووجدت انني الشاب الوحيد هناك، فالفعالية صباحية، والمؤتمر يقتصر حضوره على كبار السن والمسؤولين، وكل ما طرحه المتحدثون قبلي كان هجوماً عنيفاً على الشباب. الشباب هم عماد المستقبل، علينا توجيههم ونصحهم ومشاركتهم اهتماماتهم، نحن في بلد يهتم بالعلم والثقافة، ونسبة المتعلمين فيه عالية، وخلق فجوة بين الأجيال لا تكون إلا في المجتمعات التي ينتشر فيه الجهل. لا نريد شباباً منهمكين في الفلسفة والطب والهندسة فقط، نريد رياضيين وفنانين ونجوما مؤثرين وإعلاميين وفناني كوميديا وكل أنواع وأشكال المهن والهوايات في الحياة، هذا هو المجتمع المتكامل الذي نتطلع إليه. رسالتي للشباب، أصنعوا الحياة التي تريدونها... وتعتقدون أنها الأفضل، ولا عظة أفضل مما قاله مصطفى محمود يوماً عن صراع الأجيال: إن لم يشترك الشباب في صنع الحياة فهنالك آخرون سوف يجبرونهم على الحياه التي يصنعونها. [email protected]