14 سبتمبر 2025
تسجيلكنا قد وعدنا القراء الأعزاء فى مقالنا السابق تحت نفس العنوان أن نستعرض طرق التعليم فى بلادنا العربية فى الحاضر والماضى .. وما يجب أن تكون عليه الأمور مستقبلا .. خاصة مع تطور أساليب ووسائل الإتصالات الإليكترونية الحديثة . وأنا لست من هؤلاء الكُتاب الذين يشيدون بما يحدث فى أوروبا ويعتبرونهم نماذج تستوجب علينا أن نحتذى بها .. ولكننى فى هذا الموضوع أجد لزاما علينا أن نستفيد بتجربة الأوروبيين فى عصر النهضة .. وهو ما يوافق بداية القرن السابع عشر الميلادى .. فقد كان إهتمام المربين ينصب على تربية العقل وتدريبه على طريقة التفكير والإستدلال والتشجيع على النقد .. وأن يكون هذا النهج متاحا للجميع .. لا فرق فى ذلك بين البنين والبنات .. وكان على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزى جون لوك 1632-1704 م . وهو الذى أبدع فلسفة التعليم المتكامل أو الشامل .. وكان رائد التطوير من بعده – وفقا لما كتبه الدكتور أنطون يعقوب ميخائيل العميد السابق لمعهد الدراسات القبطية فى مصر – هو اللورد شافنتسبرى والذى حسب ما طبقه فى ذلك الوقت يكون تحت مظلة التعليم الجمع بين دراسة العلوم والإنسانيات والفنون والسلوك وتعلم المهن أو الحرف المختلفة وهو ما صار يُطلق عليه التعليم الفنى أو التقنى .. بالإضافة إلى التربية الرياضية البدنية وألعابها المختلفة والأنشطة الإجتماعية .. وهو ما تأثر بها فى كتاباته التربوية الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو 1660 – 1778. أما عندنا – وأنا آسف أن أكتب ذلك – فقد كانت نظم التعليم لدينا وإلى وقت ليس بالبعيد عقيمة حيث كانت أساليب الحفظ والحشو والتلقين هى السائدة .. وكانت المعارف تُقدم للطلاب وكأنها حقائق مطلقة . وبناء على هذا كان يمكن أن نحصر طرق التعليم التى كانت سائدة فى وطننا العربى إلى وقت قريب فى ثلاثة نقاط رئيسية هىالحفظ والتسميعوالتذكر.. وبذلك يكون وضع المناهج الدراسية قائم على على ما سوف يحفظه التلميذ .. وتأسيسا على ذلك يكون جُل عمل المدرس هو التسميع وليس الشرح والتفسير وضرب الأمثلة وتدريب التلاميذ عليها مما يؤدى إلى توسيع المدارك .. وهو الأمر الذى يجعل بالتالى أن الطالب المتميز هو من يستطيع تذكر ما سبق له حفظه وما سبق أن قام المدرس بتسميعه فى المدرسة . ومن البديهى أن هذا يكون بعيدا تماما عن أساليب التعليم الحديثة والتى تعتمد بالدرجة الأولى على الملاحظة والإبداع والتعبير .. والأخذ بأساليب تعتمد على الإكتشاف والتجريب بدرجة متزايدة .. إلى جانب الخبرة المباشرة والمشاركة فى عملية التعلم الذاتى وتعامل الدارسين المباشر مع مصادر المعرفة وزيادة إستخدام التعلم من خلال الربط بالواقع العملى والحياتى وأهداف المجال العملى والوظيفى الذى يريده أو يطمح المتعلم فى الإنخراط فيه .. ومن المتفق عليه أن " الإبداع النظرى " يتحول فيما بعد إلى التفكير العلمى والذى يسهل إكتساب مهارات التدريب العقلى وهو ما يفيد الناس وواقعهم فى الحياة العملية . أما عن دور المدرسة فى المجتمع الحديث ودورها فى تحقيق القيم والمبادئ الأساسية للحياة فى مجتمع صالح .. والإستغلال الأمثل لأهم إعجاز إلهى فى خلقه أهم نعمة وهبها الله للإنسان وهو العقل البشرى وهو مصدر إبتكار القواعد والنظم المؤسسية لضبط الحريات وتنظيم الحقوق والواجبات فى المجتمعات التى نعيش فيها وبذلك يتحقق الإشباع الروحى فى التعليم .. وسيكون هذا هو موضوع مقالنا القادم .. فإلى اللقاء بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected]