13 سبتمبر 2025

تسجيل

الاقتصاد القطري.. الـواقع والآفاق

18 سبتمبر 2013

إذا كانت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي نشهد تداعياتها قد بينت الكثير من الثغرات في الاقتصادات المتقدمة، فإنها قد كشفت كذلك عن قدرة بعض الاقتصادات الناشئة والنامية على مراعاة تلك الثغرات والتعامل بمرونة بالغة معها، مما سهل عليها الخروج من الأزمة بأقل الخسائر وفي وقت وجيز وإذا كانت الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند قد أظهرت الأزمة قدرة اقتصاداتها على التغلب على مخلفات الأزمة، فإن الاقتصاد القطري والذي يوصف بأنه أحد الاقتصادات النامية قد حقق نتائج لا تقل شأنا عن تلك التي أحرزتها الاقتصادات الناشئة، مما يقودنا إلى التساؤل عن الطريق الذي سلكه الاقتصاد القطري حتى يخرج من الأزمة بمكاسب لا تقل شأنا عن تلك التي أحرزتها بعض الاقتصادات الناشئة، هل هي نتيجة عائدات النفط والغاز وإذا كانت الإجابة بنعم فما المانع من أن تحرز باقي الاقتصادات الخليجية مثلا نفس معدلات النمو التي أحرزها الاقتصاد القطري، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهل من الممكن أن تحذو دول عربية أخرى حذو الاقتصاد القطري حتى نتخلص من مقولة إن العرب حكم عليهم بالقاع ولن يصلوا إلى القمة؟ خلال العشرية الماضية شهد الاقتصاد القطري تطوراً كبيراً في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية وكانت تلك الثورة مشفوعة بقدرة الأجهزة على تذليل الصعوبات ومواكبة التطورات الاقتصادية، مما مكنها من رسم خارطة اقتصادية محكمة تراعي من خلالها أبعاد ومناحي التطور الذي يعيشه الاقتصاد العالمي بالقدر الذي مكنها من رمي عصفورين بحجر واحد، فاستطاعت من خلالها مواكبة التطورات الاقتصادية العالمية وفي الوقت نفسه غربلة التطور القائم وفقا لما ينسجم مع مصالحها الاقتصادية، وبالتالي فالمكاسب التي أحرزها الاقتصاد القطري تمكنت من خلالها من تطوير خطط إستراتيجية لاستغلال ثرواتها الطبيعية من خلال برنامج استثماري متكامل في صناعة النفط والغاز وفي صناعة البتروكيماويات وفي تحويل الغاز إلى سوائل وبناء أكبر أساطيل السفن لنقل الغاز القطري إلى الأسواق العالمية، هذا إلى جانب تنويع القاعدة الاقتصادية من حيث عدم الاعتماد على النفط وحده كمعظم الدول الخليجية، ففي أثناء فترات انخفاض أسعار الغاز عالميا كانت لدى الاقتصاد القطري التجارة الدولية والمضاربة في العقارات، إضافة إلى أنشطة مالية حققت معدلات نمو كبيرة، كما استطاعت استثمار الفوائد العالية نتيجة لارتفاع أسعار البترول في أنشطة مختلفة ومتعددة، الأمر الذي مكنها من استقطاب التكنولوجيا المتقدمة من الدول الأجنبية وعمل مشروعات جديدة والاهتمام بمشروعات التنمية البشرية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والمرافق العامة، ما يساهم أيضا في زيادة معدلات النمو، حيث شهدت خلال 2008 تواصلا في معدلات النمو، إذ حققت 26.9% وبلغ ناتج هذا القطاع نحو 39.2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وإذا قدرنا حجم الحوافز الصناعية التي تقدمها دولة قطر لتشجيع واستقطاب الاستثمارات المحلية والاستثمار الأجنبي المباشر والارتقاء بتقنية التصنيع ورفع كفاءة الإنتاج والتقدم الصناعي، في وقت تواجه فيه الصناعة عمليات تعثر كما في الاقتصادات المتقدمة، تعمل من خلالها على وضع سياسة تشجيع مشاريع صناعية جديدة تجذب المستثمرين الأجانب للقطاع التحويلي وتنمية المشاريع الصغرى والمتوسطة من خلال إقامة مناطق صناعية حرة، للعمل في القطاعات الصناعية لتقديم منتجات نهائية تقدم قيمة مضافة للاقتصاد القطري مدعومة بالاستقرار السياسي والاجتماعي، وتوفر جملة من عوامل الإنتاج التي تقدم مزايا نسبية للصناعات، الأمر الذي يمكن هذا الاقتصاد من احتلال مكانة بين القوى العظمى بيسر ودون تكلف، كما يحفز الدول العربية الأخرى والتي عرفت منذ أمد بعيد أنها دول القاع رغم المكونات الاقتصادية والمؤهلات التنموية والثروات الطبيعية التي تزخر بها ولكن عدم الثقة واستيراد الخطط الاقتصادية والتـأثر بما لدى الغير أمور رجحت فرضية القاع على الصعود إلى القمة، فهل يا ترى سيكون معدل النمو القطري مؤشرا إيجابيا على تنافس إيجابي ستشهده الدول العربية وبالخصوص الخليجية منها في المستقبل، أم أن من المستحيل أن ترقى حليمة عن عادتها القديمة؟